ضياع بوصلة البلد.... عجز أم فساد؟
المتابع للشأن العام وأحوال البلد واستمرار تخبط مسيرته في جميع المجالات، يدرك الإشكالية الوطنية التي يمر بها البلد منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، ومن يحاول أن يُشخص حالة البلد تلك لن يعجزه أن يرى مرحلة بداية هذه الإشكالية تعود إلى أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، ولن يعييه الأمر لتوثيق أن عام ١٩٨٤/ ١٩٨٥ هو البداية.والمتعقب لتفحص حال البلد تلك عليه أن يرصد العوامل والأسباب التي أدت إلى ذلك وساهمت ولا تزال تساهم فيه.وسأجتهد بقدر ما أستطيع في وضع يدي على جراح البلد النازفة بتعقب الأسباب والعوامل، بل الأطراف التي أدت إلى إدخاله في دوامة إشكالية التعثر والتراجع، ومن ثم ضياع بوصلته، وبلوغه حالتي الفشل والفساد.
1. انشغال أسرة الحكم بصراعات داخلية، استنزف جهدها وأضاع تركيزها عن دورها المرجعي والحيادي، فتسابق العديد من أبنائها في مضمار التأهل لمناصب عليا في الأسرة والدولة بسبب غياب نظام داخلي محكم يضبط ذلك ويقننه، فانعكس ذلك في الرغبة الجامحة في تولي رئاسة الوزراء، باعتبارها بنظر البعض، أعلى المناصب، رغم أن رئاسة الوزراء تُعرضهم للتجريح والنقد، وهو منصب رسمه الدستور ليكون شعبياً بتوازن مقصود ومحكم، نأياً بأبناء الأسرة عن التجريح، وقد رأى البعض، بخطأ في التقدير، أن تولي منصب الوزير أيضاً طريق مؤهل لمناصب أعلى، فزاد الصراع وتعددت أوجهه حتى انتقل إلى المناصب العامة الأخرى في الدولة ومواقع الصدارة الرياضية، مما انعكس بشكل أكثر سلبية على موقع الأسرة وحياديتها.2. إفراغ البرلمان من عوامل القوة وركائز الممارسة البرلمانية الناضجة، فقد كان مسار البرلمان الكويتي إلى نهاية مجلس أمة ١٩٩٢ يسير باتجاه تطوري ملحوظ، رغم بعض الهفوات والعثرات، لكنه كان مساراً واعداً ومبشراً بسلطة تشريعية مؤهلة متوازنة في المسلكين التشريعي والرقابي، لكن ظهور مؤسسات إعلامية وقوى مالية متنفذة قلقة على مصالحها الذاتية دفعها وبتخطيط وتحالف مبرمج إلى تخريب المسار البرلماني وظهور ممارسات شراء المقاعد البرلمانية وضخ المال السياسي الفاسد ونشر ثقافة فساد الذمم وشراء ولاءات المواطنين وتحويلهم إلى طوابير تلاحق موجات توزيع الهبات والمِنَح والوظائف والمزايا والشهادات، فسرعان ما شاخ العمل البرلماني وترهل وصار ميداناً لقناصة الخدمات ومخربي الذمم فانهار مسار العمل البرلماني الناضج.3. ضعف مؤسسات العمل السياسي الشعبي وتمحورها حول أشخاص بدلاً من مؤسسات ديمقراطية، وهو ما عجل انكشافها وتدهورها بمجرد انتهاء مرحلة الزعامات الوطنية الشعبية، إذ توالت مراحل تفكك واضمحلال مؤسسات العمل الشعبي، فقاد المراحل اللاحقة مجاميع من التلاميذ الهواة الذين أشغلهم الصراع والتعصب الضحل، فضاعت القضية الوطنية وضاع الوطن في دهاليز صراعهم المقيت، وتم توظيفهم بشكل أوسع في هذا المسار.4. ووُلِدت في هذه المرحلة حكومات هزيلة لا تفقه من معاني العمل السياسي ولا التنفيذي إلا الوجاهة والإثراء السريع، فضاعت بوصلة البلد وأولوياته وانحرفت خطط التنمية والإصلاح لمسارات المزايدة والتجريب وضيعت الثوابت وفككت مؤسسية الدولة فتآكلت الأجهزة والمؤسسات، وما بني لعقود صار منخوراً خلال بضع سنوات، وتنكبت الدولة عن طريق ومسارات المشروع الوطني، فتقلد الوزارات موظفون وصارت الحكومات ميداناً للتجربة، وهو ما أعاد البلد خمسين عاماً إلى الوراء... وللحديث تتمة.