الحب وحده لا يكفي، إنه لا يروي عطش القلوب هو فقط يبل ريقها، وهو لا يُشبع نهمها، إنه فقط يسد رمقها ويكفيها شر الإملاق والحاجة والعوز العاطفي، ويمنحها فسحة من الأمان والطمأنينة لاستعراض خياراتها بتأن وروية، بمنأى عن مرارة الاحتياج التي قد تربك بوصلتها وتدخلها نفقاً مظلماً في مغارة التيه، إنه الوسادة الخالية من خنقة الكوابيس المرعبة والملأى بريش هدأة البال والسكينة لتوفر للقلب مساحة كافية ليعقل، وكنا غالباً على خطأ إذ طالما اعتقدنا أن الحب يوفر فضاء شاسعاً لجنون العقل، بينما هو في الحقيقة يعطي فرصة عظيمة لجموح القلب لأن يعقل، وبهذا المعنى فإن الحب أشبه بأسطورة روبن هود، الذي يسلب مما لدى الأغنياء ليعطي الفقراء، فهو يسلب شيئاً من حكمة العقل وقدرته على التدبر ويهبهما للقلب، وفي المقابل يأخذ من القلب شيئاً من المشاعر والعواطف ويمنحها للعقل، فالحب هو الوسيلة الوحيدة "لعقْلَنَة" قلوبنا و"شعْرَنَة" عقولنا، والمشي على الصراط المستقيم بين الماء وبين الجمر، إن الحب الذي يتكئ على قلب بلا عقل حب أعمى يسير على حبل معلق بين مرتفعين ومآله السقوط ليصبح أشلاء يصعب جمعها، أما الحب الذي يتكئ على عقل بلا قلب فهو حب مرهون بقبضة الجفاف، ومصيره لا يختلف عن نهاية غصن شربه اليباس وجرفته الريح، فالحب النابع من عاطفة خالصة بحاجة دوماً لبعض عقل لينجو بفعلته، فهذا الحب لن يكفي ولن يملأ "زوّادة" أمل لما تبقى من الطريق، كثيراً ما نخمّن أن قلوبنا دليلنا إلى ما هو خير لها، وكثيراً ما جعلنا عبارة مثل "اتبع قلبك" مظلة تحمي رؤوسنا من الهجير ومرشداً سياحياً لنا في مدينة الحب، وكثيراً ما كانت النتيجة مأساوية ومخيبة لمشتهى قلوبنا ورغباتها، وما نسجته من أمان على مغزل الأمل، والسبب في ذلك هو أننا يجب أن نتبع قلوبنا فقط إن كانت سليمة وشرط سلامتها أن يكون لها شيء من العقل، تعرف متى تكون بكل وعيها وإدراكها، وتعرف متى تتغافل وتتجاهل، تُغمض عيناً وتفتح الأخرى قليلاً كذئب غير مطمئن، فإن لم يكن القلب مؤهلاً بما يكفي لمثل ذلك فليس حرياً بنا اتباعه، وليس هذا القلب جديراً بأن يكون هادياً لنا وحادياً لقافلة مشاعرنا، مثل هذا القلب هو عادة ما يقودنا إلى حتفنا ويودي بنا إلى جحيم حب ليس له قرار، وهو ذاته من يقودنا إلى سوء المصير، القلوب غير المحصنة بالعقل والتبصر لا تفوز في سباق الحب، ورهانها غالباً يُمنّى بخسارة موجعة، وعلينا أيضاً أن ندرك أن للحب رسلاً شيطانية تزيد من عمى قلوبنا وتصيبها بالصمم وتوسع دائرة تيهنا، بعض هذه الرسل نجدها مخبأة في الروايات الرومانسية والأفلام العاطفية وقصائد الحب، فإن أردنا أن نحصّن قلوبنا من مكائد الحب لضمان السلامة لحبنا فعلينا أن نستعيذ من بعض رسل الحب، وأن نمنح قلوبنا شيئاً من العقل، وعقولنا شيئاً من القلب!

Ad