● تطرقت إلى ثورة 1919 ودورها في تكوين هوية بصرية مصرية... أين ذهبت هذه الهوية؟- أعتقد أنها لاتزال حاضرةً بقوة في الوعي الجمعي المصري، غير أنها باتت تتفاعل مع مكونات ثانوية أخرى، فَرَضتها آلياتٌ استَجَدّت خلال العقود القليلة الماضية، وفي مقدمتها آليات العولمة وثورة الاتصالات، التي يَسَّرَت إمكانات التلاقي المعرفي والبصري والفني بين الثقافات على نحوٍ مدهش، غير أنها أضفَت على هذا التلاقي طابعاً معقداً. خلاصة القول إن الهوية البصرية، التي أسفرت عنها ثورة 1919 – والمُمَثَّلة في مرجعية الفن المصري القديم - تظل مُكَوّناً رئيسياً من مكونات وعينا، غير أنها تشهد حواراً حاد النبرة مع هويات وافدة متعددة.
● انتشار القبح في الشوارع... المسؤول عنه تراجع دور الفنان التشكيلي أم عدم اهتمام منظومة التعليم بالفنون؟- هو في المقام الأول ناتج عن أزمة وعي بأهمية الجمال والقدرة على تذوقه، والعوامل المطروحة في السؤال تلعب دوراً مهماً دون شك في تأَزُّم هذا الوعي، إضافةً إلى عوامل أخرى، على رأسها اقتصادية؛ فالثابت، في كل دول العالم، أن الفئات الأدنى حظاً من المستوى المعيشي تميل إلى عدم الاكتراث بالنواحي الجمالية في الفضاء العام، فضلا عن الاهتمام بالفنون أصلاً، وهي ظاهرة سبق أن رصدها العلامة "ابن خلدون" في مقدمته الشهيرة؛ حين تحدَّث عن أولويات مَناشط العُمران ومراتبها.● معرض "اللوتس" تجربة ثرية... إلى أي مدى ترى حاجتنا إلى مثله؟- تكمُن أهمية هذه التجربة في ارتكازها على التراث، لكن دون مُزايدة، أو شوفينية، أو ابتذال سطحي، بل بشغف لمحاولة فهم هذا التراث، ومِن ثَم استلهامه جمالياً، والسعي لتأسيس تجارب عصرية تستَهدي قِيَمَه الجمالية والمعرفية، وهذا، دون شك، مطلبٌ مُلِحّ في سياق ثقافتنا، وبخاصّةٍ ثقافتنا البصرية، التي باتت تشهد تجاذُبات متوترة لخطابات كثيرة، تثير أحياناً الحيرة لدى المُتلَقّي، بل ولدى بعض المتخصصين من الفنانين والنقاد.
توثيق لتماثيل
● نجحت في الكشف عن توثيق تماثيل وآثار في القصور التاريخية... حدثنا عن هذا المشروع؟- بدأ هذا المشروع قبل نحو 15 عاماً، وكان في بدايته قاصراً على توثيق سِيَر المجاهيل والمنسيين من الفنانين. وبعد أن أصدرتُ عدة كتب، والكثير من المقالات المنشورة في هذا السياق، اتسع الطموح ليشمل توثيق فرائد التراث الفني والحضاري على اختلاف أنماطها. وربما كان مِن أبرز ما ووُفِّقتُ إليه في هذا الصدد مؤخراً: توثيق منحوتات موجودة داخل "قصر البارون"، ظلت دلالاتها مجهولة لزمنٍ طويل، وغير منصوص على النحاتين الذين أنتجوها في كل ما نُشِر سابقاً عن هذا القصر. ومن ذلك أيضاً: الكشف عن أصول منحوتات موجودة داخل قصر السلطان "حسين كامل" (قصر السلطانة ملك)، وقصر الأمير "يوسف كمال"، فضلاً عن توثيق العديد من التماثيل الميدانية المفقودة أو المجهولة؛ كتمثال للخديو إسماعيل، ظل مكانه مجهولاً نحو سبعين عاماً، إلى أن عُرِض أخيراً في أحد معارض وزارة الثقافة. وشرفتُ مؤخراً بترؤس لجنة رسمية، ضمت عدداً من أمناء العُهدة الأثرية بمتحف "جاير أندرسون" بالقاهرة، لإعادة توصيف وتوثيق مجموعة من الأعمال الفنية الحديثة، الموجودة ضمن محتويات هذا المتحف، والتي لم تحظَ مِن قبل باهتمام نقاد الفن المصري ومؤرخيه. وأسفرت أعمال اللجنة عن مجموعة من المفاجآت المهمة، التي ستُنشَر تفاصيلُها قريباً.● ما الدور الذي يجب أن يقوم به الإعلام للارتقاء بالذوق الفني؟- توسيع مساحة بَثّ البرامج والمواد الإخبارية والتثقيفية الخاصة بالفنون، والتي لا تحظى عادةً إلا بالنصيب الأقل، سواء في البَث المرئي/ المسموع أو في النشر الورقي والإلكتروني، مقارنةً بغيرها من مواد رياضية وترفيهية وموضوعات عامة.● تبدع في النقد السينمائي من أين تستلهم أفكارك؟- لا شك أن الحس هو المعيار الأول لأي رؤية نقدية، غير أن الفنون – لاسيما البصرية منها – تتشارك في سِمةٍ عامة، وهو اعتمادها على الصورة، والناقد الفني يمكنه بسلاسةٍ مقاربة المُنتَج السينمائي، على نحوٍ قابلٍ لتعميق فهم هذا الوسيط الخطير، والكشف عن دلالاته ورموزه وجمالياته. وفي تقديري أن موسوعية الثقافة لا غنى عنها لأي ناقدٍ يطمح لطرح رؤى كاشفة في هذا السياق.● هل من المتوقع أن نرى لك عملاً روائياً آخر بعد روايتك الشائقة "غير المضحوك عليهم"؟- احتمالٌ قائم، وإن كان لا يشكل أولويةً بالنسبة إليّ حالياً؛ فأنا لا أعتبر نفسي روائياً، بالمعنى التصنيفي أو الاحترافي، وما قدمته من خلال الروايتين اللتين نشرتهما: "مولد سيدي بسيسة"، و"غير المضحوك عليهم"، كان محاولة لطرح رؤية، من خلال وسيط نَصّي بالغ الحيوية، وهو الوسيط الروائي.جوائز وكتب
ياسر منجي نال عدة جوائز أهمها الجائزة الأولى على مستوى نقاد الوطن العربي (جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي) 2009، والجائزة الكبرى في صالون الشباب العاشر 1998، وجائزة الصالون في مجال التصوير في صالون الشباب الحادي عشر، والجائزة الأولى بالنقد الفني في صالون الشباب الخامس عشر، والجائزة الأولى بالنقد الفني في صالون الشباب السادس عشر.ومن أهم مؤلفاته، كتاب "مشروع الحداثة في الفنون التشكيلية والبصرية العربية"، عام 2010، وكتاب "فنانون وهراطقة... شفرات سرية في أعمال رواد الفن"، 2009.