نقطة : إذا لم تكن هذه بربسة... فماذا تسمى؟!
لا يمكن فهم الواقع الكويتي الحالي إلا من زاوية "شرّ البلية ما يضحك"، إي والله، فكل الجامعات حول العالم تخرّج طلبتها لتغطي متطلبات سوق العمل، إلا نحن أنشأنا كلية خاصة لتغطية متطلبات دخول الجنة، ويبدو أنه بعد أن ضاقت فرص العمل في هذا المجال الحيوي، وتمت تغطية حاجات السوق والمستهلكين وضمان مستقبلهم، سيتمدد خريجو هذه الكلية للدخول على بقية المهن والأعمال، والمحاماة والوظائف القانونية ليست إلا مجرد بداية طريق النجاح والازدهار، فخريجو "الشريعة" بالآلاف، واليوم محامون وغداً سيعملون بكل شيء إذا كانت المعايير لديكم بهذه الرخاوة والليونة، فالراقي سيصبح طبيباً والمأذون مستشاراً نفسياً وأسرياً، والقادم مذهل أكثر.لا أدري سبب هذا التغير والحرص المفاجئ ممن كانوا يحذروننا من شبهة مهنة المحاماة في السابق، لكن إذا كان خريجو كلية الشريعة حريصين فعلاً، كما يدّعون، على الاشتغال بمهنة المحاماة، فكان الأولى بهم أن ينضموا إلى كلية الحقوق من البداية، سعياً وراء تحقيق طموحاتهم، أما الدخول إلى كلية متطلباتها الدراسية أسهل وأخف، ومن ثمّ الضغط لدخول مهنة المحاماة من باب التشريع الشعبوي الخلفي والتلاعب بشروط ممارستها وإتلاف المهنة أكثر مما هي عليه من تلف بسبب الشهادات المضروبة، فليس حلاً مقبولاً ولا أخلاقياً ولا منطقياً ولا يبشّر بخير أبداً، رغم أن خريج "الشريعة" هذا نفسه سيهاجمك إذا أبديت رأياً لا يعجبه بموضوع فقهي، لأنك غير متخصص، حسب رأيه، لكنه لن يرى أي تناقض في أن يفهم هو شخصياً بالقانون وقواعده، وبدلاً من الانتباه للمؤشر الحقيقي الدال بوضوح على أن الوقت قد حان لإعادة دمج الكلّيتين، كما كان الوضع عليه في الأساس، ومن ثم النظر في إمكانية "إنشاء" أقسام أكثر تعمّقاً وتخصصاً في كلية الحقوق قد تكون الشريعة من ضمنها، أبى السادة النواب الأفاضل إلا ركوب الموجة كعادتهم بأن يفسدوا المهن والأعمال والوظائف القانونية في الدولة، ثم بعد ذلك سنجدهم يتشكون ويلقون الخطب السقيمة ويستجوبون الوزراء على أخطاء ارتكبها من توسطوا هم لهم أساساً وأعطوهم ما لا يستحقون!
إن كان ولا بد من التكسب وعقد الصفقات، فليكن ذلك بمعاملات آنية وتعيينات ومنافع مادية، والأمر لله، وليس بقوانين دائمة خسائرها مستمرة وستعانيها أجيال قادمة لا حول لها ولا قوة، أما إذا كان السادة المشرّعون أعضاء مجلس الأمة المحترمون يرون أن خريج "الشريعة" مؤهل فعلاً لممارسة مهنة المحاماة، وهم مقتنعون في قرارة أنفسهم بذلك، فمن باب أولى إذن أن يكون خرّيج "الشريعة" مشرعاً بالأساس، فمن يعرف العمل بالقانون لن يصعب عليه تفصيله وترقيعه، وإذا كانت نوعية الدراسة والمواد لا تهم، فالانتخابات لن تقدّم أو تؤخر، والتفقه بالدين أهم من رأي الناس، و"خير من استأجرت القوي الأمين"، ولنجهل "فوق جهل الجاهلينا"، ولنحتسب الأجر، وليتم تعيين جميع أعضاء مجلس الأمة من خريجي كلية الشريعة طالما أنهم ملمون، بحكم دراستهم، بكل العلوم والتخصصات النافعة، وبلا انتخابات وصداع فارغ، وخصوصاً أن تجربتنا مع النواب الشرعيين من أمثال طيّب الذكر خالد العدوة والحبيب عواد برد والتكانة وليد الطبطبائي والموعود خيراً محمد هايف، كانت إيجابية وعميقة حتى النخاع ومليئة بالأفكار العظيمة والخطط المستقبلية البناءة، هذا مع الاعتذار لمن سقط اسمه سهواً أو عمداً.