معالجة بطالة خريجي «الشريعة» بالترقيع
قانون المحاماة الجديد بائس للتهرب من الحقيقة المُرة لغياب السياسة التعليمية
النواب يقننون الأمر الواقع بلا حساب للتبعات بدلاً من إجبار الحكومة على تصحيح الخلل
تخصصات طفح بخريجيها سوق العمل ولا تزال الجامعات تقبل فيها طلبة جدداً
أمر مؤسف موافقة جمعية المحامين على القانون رغم أن مسؤوليتها حماية المهنة
تخصصات طفح بخريجيها سوق العمل ولا تزال الجامعات تقبل فيها طلبة جدداً
أمر مؤسف موافقة جمعية المحامين على القانون رغم أن مسؤوليتها حماية المهنة
مع وصولنا إلى درجة من تردي الأوضاع، لا نعرف معها إن كنا بلغنا القاع أم مازال هناك مزيد من الانحدار، لم نعد نتوقع من سلطتَينا التنفيذية والتشريعية، بوصفهما المسؤولتين الأوليين عما وصلنا إليه، سوى مفاجآت مضحكة مبكية تتسابقان فيها من أجل البقاء فقط، لا بقاء النظام أو الدولة ومؤسساتها، بل بقاء الأفراد على الكراسي... وفي هذا السياق، جاء إقرار قانون المحاماة الجديد، الثلاثاء الماضي، مثالاً فجاً على ترقيع السلطتين بدلاً من مواجهتهما أصل الداء وعلاجه. هذا القانون البائس جاء بديلاً عن مواجهة الحقيقة المرة الناتجة عن غياب تام لسياسة تعليمية تربط القبول في كليات الجامعة و«التطبيقي» بحاجة سوق العمل، الأمر الذي أدى، وسيستمر يؤدي، إلى تخريج الآلاف من حمَلة الشهادات التي لا تساوي قيمة الورق المطبوعة عليه.الأزمة الحقيقية في سياسات القبول أن هناك تخصصات طفح بخريجيها سوق العمل، ولا تزال الجامعات والبعثات تقبل فيها طلبة جدداً، لينضم من يتخرج منهم إلى كتائب العاطلين بعد حصولهم على الشهادة.
مشرّعونا الباحثون عن أصوات تبقيهم على الكراسي الخضراء لا همَّ لهم سوى إرضاء الناخبين، ولو على حساب حاضر البلد ومستقبله، وبدلاً من إجبارهم الحكومة على تصحيح خلل سياسات القبول، نجدهم يقننون الأمر الواقع كيفما اتفق وبلا أدنى حساب للتبعات الإدارية والاجتماعية المترتبة على ما تتمخض عنه مصالحهم من تشريعات. نحن بحاجة ماسة إلى مواجهة أزمة التعليم الجامعية بشجاعة بدلاً من ترقيع القوانين لحشر خريجي الشريعة الذين لم يكن لأغلبيتهم جدوى، في أي مكان بسوق العمل؛ منذ إنشاء الكلية حتى الآن، فمنذ تخرج دفعتها الأولى، واجهت الحكومة أزمة في توظيفها، فعمدت مذّاك إلى مباشرة سياسة الترقيع، ففرضت خريجيها على وزارة التربية كمعلمين دون امتلاكهم الحد الأدنى من القدرات التعليمية، كما فاضت بهم «الأوقاف»، والآن بعد أن ضاقت الحيل، أدخلهم مشرعونا على خط مهنة المحاماة، وتحديداً بعد إدخال مكاتب المحاماة ضمن برنامج دعم العمالة. والمؤسف أيضاً، وما أكثر مؤسفاتنا، موافقة جمعية المحامين على هذه الخطوة، رغم أنها الجمعية التي يفترض فيها المحافظة على مستوى هذه المهنة، في وقت تضع الدول المتقدمة شروطاً قاسية لقبول الحاصلين على شهادات القانون فيها؛ ففي الولايات المتحدة، مثلاً، يحتاج طالب القانون إلى دراسة أربع سنوات تمهيدية ثم إلى ثلاث لدراسة القانون، وإذا تخرج لا يمكنه مزاولة المحاماة إلا بعد اجتيازه اختبار «جمعية المحامين» الذي يعد من أصعب الاختبارات على الإطلاق، كما لا يستطيع المحامي هناك ممارسة مهنته في ولاية غير تلك التي اجتاز اختبارها، وعليه أن يتقدم لاختبار الجمعية المخصص لكل ولاية يرغب في العمل فيها. أما هنا فكل من يحصل على «ليسانس» قانون من أي دولة، بأي طريقة، يمكنه دخول المهنة، إلى أن جاء القانون الجديد ليضيف إلى المصيبة بلوى أخرى، فأصبح بإمكان خريج «الشريعة» ممارسة المحاماة في حين يحرم منها أساتذة القانون في جامعة الكويت! وهكذا يستمر مسلسل التشريع العبثي الذي يحاول «معالجة» بطالة خريجي «الشريعة» بالترقيع، وإقحامهم في وظائف ليس لديهم الحد الأدنى من متطلبات ممارستها... كل ذلك بحثاً عن أصوات انتخابية وحسابات شخصية ومنفعية، والخاسر الأكبر هو الوطن.