في مواجهة العنصرية
![مصطفى البرغوثي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1564897822016822100/1564897879000/1280x960.jpg)
جذور العنصرية سواء مورست ضد الفلسطينيين أو ضد الإثيوبيين أو ضد المهاجرين الأفارقة، أو حتى ما كان يمارس منها جزئيا ضد اليهود الشرقيين، هي واحدة، لكن أسوأها وأشدها بطشا ودناءة هو ما يُمارس ضد الشعب الفلسطيني بكامله، وعلى أسس قومية خالصة. وما يرعب المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة من انفجار قضية التمييز العنصري الإثيوبية، أنها كشفت أمرين: أولا، جذور العنصرية الراسخة في المجتمع الإسرائيلي. وثانيا، زيف الادعاء بأن المنظومة الإسرائيلية هي منظومة ديمقراطية، وزيف الادعاء بأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. أصول العنصرية الإسرائيلية، سواء أعجب ذلك حكام إسرائيل أم لم يعجبهم، تكمن في الفكر الصهيوني الذي قامت عليه إسرائيل. فكر أساسه الاستعلاء القومي، والإيمان الغيبي بأن "الإسرائيليين هم شعب الله المختار"، وأنهم الأفضل والأمهر والأكثر خُلُقا من سائر شعوب الأرض، وهو فكر أفرز نتاجا خطيرا مضمونه أن كل ما هو غير يهودي يعتبر غريبا (غويم)، وذلك ما يجعل، كما يقول جدعون ليفي، "العنصرية الإسرائيلية مختلفة عن مثيلاتها أنها متمأسسة ويتم إملاؤها من أعلى المنظومة الحاكمة". وقد أصبحت العنصرية في إسرائيل مثل السرطان الذي ينهش المنظومة بكاملها، وهو لا يتجلى ضد ما هو معتاد ومقبول ومبارك، أي ضد الفلسطينيين والعرب فقط، ولكنه يفيض لنرى مشاهد وأحداثا تثير الغثيان مثل التمييز ضد الإثيوبيين بسبب لونهم. لا يمكن اجتثاث العنصرية جزئيا، ولا ضبطها بإحكام كما تحاول المنظومة الإسرائيلية أن تفعل، فهي إما أن توجد أو لا توجد، وهي ليست فقط موجودة، بل تنمو وتتسع بشكل خطير، ولا يمكن أن تزول أو تتراجع ما لم يُزل الاحتلال وما لم يتم إسقاط كل نظام الأبارتهايد العنصري ضد الشعب الفلسطيني.ويُحسن الإثيوبيون صنعا إن أدركوا أن أول خطوة في مقاومة العنصرية هي رفض الخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، صانع ومنفذ العنصرية بكل أشكالها، وأن يتوقفوا عن أن يكونوا طرفا في منظومة قمع واضطهاد الشعب الفلسطيني. حلت في هذا الأسبوع الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل شاعر كبير، وقائد وطني فلسطيني من الطراز الأول، رئيس بلدية الناصرة الذي حظي بإجماع شعبي غير مسبوق، والذي ارتبط اسمه في أذهان شباب الأراضي المحتلة في ذلك الزمن الجميل بمخيم الناصرة التطوعي الشهير، وهو المناضل توفيق زياد.وقد كان لتوفيق زياد قول مأثور، نفتخر به، ضد العنصرية بكل أشكالها، عندما قال "نحن الشعب الفلسطيني لسنا أفضل من أي شعب في العالم، ولكن لا يوجد شعب في العالم أفضل منا". الطريق لإنهاء العنصرية يبدأ بالإيمان بالمساواة التامة والكاملة، بين البشر بغض النظر عن عرقهم، أو دينهم، أو قوميتهم، أو جنسهم، أو لون جلدهم. * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية.