في بداية عقد السبعينيات من القرن الماضي بدأت ظاهرة الخدم ومربيات الأطفال تنتشر بشدة في المجتمع الكويتي، وترافقت تلك الظاهرة مع خروج أعداد كبيرة من المواطنات الكويتيات للعمل. ورغم أن المجتمعات المتطورة التي سبقتنا في استقبال النساء بسوق العمل لم تكن تحتاج لهذا العدد من الخادمات والمربيات، فإن الظاهرة انتشرت في الكويت بشكل هائل، ربما بسبب الثروة أو تقليد الأثرياء الذين نشروها بوتيرة كبيرة في البلد.ورغم أن المرأة اليابانية والألمانية والأميركية تعمل من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً، لكنها لا تحتاج للكم الهائل من العمالة المنزلية الموجودة في الكويت ومعظم الدول الخليجية، لكن الظاهرة استمرت في النمو في مجتمعاتنا، ونتيجة لذلك فإن الأغلبية الساحقة من أبناء تلك الحقبة حتى يومنا هذا كبروا وترعرعوا في معظم أيام طفولتهم في أحضان الخادمات اللاتي أتين من ثقافات مختلفة، وتشبعوا بطباعهن وسُبل تعاملهن الجيد والسيئ منها التي عايشوها.
اليوم الغالبية من السياسيين والمسؤولين والرجال والنساء الناشطين في جميع مناحي الحياة من أبناء ذلك الجيل الذي تربَّى في أحضان الخدم، فهل ما يشهده البلد من ظواهر أخلاقية سلبية وكذب وخيانة العهود والأداء المتدني والمشاجرات في الأماكن العامة وقاعة عبدالله السالم وتزوير الشهادات وظلم الناس، سببه الرئيسي هو غياب الآباء والأمهات عن متابعة وتربية أبنائهم؟!عاصرنا في سنين عمرنا الأولى زماناً كان الرجل فيه من الممكن أن يضحي بحياته مقابل وعد قطعه على نفسه، وأيضاً من الممكن أن يفقد المرء ثروته وبيته لينفذ كلمة "تم" قالها لمتعامل معه، واليوم راجت الوعود الكاذبة والنصب والاحتيال وكتم شهادة الحق، لتحقيق مكسب شخصي حتى لو كان على حساب أقرب الأشخاص والعائلة، للفوز بمكسب مالي أو وظيفي، ويمارس ذلك الكثيرون دون مبالاة من عواقب أو خوف من ضمير أو حساب الخالق.هناك ظواهر في المجتمع الكويتي غريبة وعجيبة، وخاصة من رجال السياسة والشأن العام، نراها في السنوات الأخيرة تجعلنا نبحث عن سبب هذا الانهيار في القيم والمبادئ بشكل عام، ولا أشير هنا إلى جريمة مراهق في مجمع تجاري أو جثة متعاطٍ ملقاة في الساحة الخلفية لمستشفى حكومي، بل إلى ما يحدث في قاعة مجلس الأمة من سباب وصراخ وتبادل للاتهامات، وهي القاعة التي من المفترض أن تكون ندوة البلد المثالية وجامعة النخبة والقدوات.نعم هناك صراخ في كل البرلمانات، من أجل الدفاع عن فكرة أو طريقة أداء عام، لكن عندنا يصفون بعضهم البعض بالكذب وخيانة الوعود والشهادة الزور، لذا فإنه أمر مروع في بلد لم يعتد على ذلك، وهو ما يشي بأن هناك خللاً كبيراً حدث في تربية الأجيال المعاصرة صنعته الأسر والدولة بنظامها التعليمي والإعلامي وغياب القدوة في البلد رغم حالة "الدروشة" فيها وتنامي أعداد أصحاب اللحى!
أخر كلام
أجيال تربية الخادمات... في السُّلطة!
07-07-2019