تذكر المصادر الأثرية أن قصر قارون كان يسمى معبد الإله سوبك و«ديونيسيوس»، لكن في العصور الإسلامية أطلق عليه قصر قارون لوجوده بالقرب من بحيرة قارون المجاورة له، والتي تمت تسميتها بهذا الاسم لكثرة القرون والخلجان بها، فأطلق عليها في البداية بحيرة «القرون»، وحرفت إلى بحيرة قارون، غير أن هذا لم يمنع الحكايات والقصص التي دارت حوله، منها الديني ومنها الخرافي، أما قصر قارون الحقيقي فلا يعرف مكانه حتى اليوم.
قصص خرافية
ومن الحكايات التي دارت حول القصر أنه يتكون من 365 حجرة، بعدد أيام السنة، وكل حجرة بها شرفة تدخل منها الشمس ليوم واحد في السنة ولا تدخلها مرة أخرى إلا في نفس اليوم من السنة التي تليها، بمعنى أن كل حجرة تدخلها الشمس يوما واحدا في العام، وتلف على بقية الحجرات دواليك، ولكن الحقيقة أن عدد الغرف به لم يصل إلى مئة غرفة صغيرة للغاية، كان يستخدمها كهنة هذا العصر لأشيائهم الخاصة، كما كانت تستخدم لتخزين الغلال. ومن الحكايات الخرافية التي صاحبت القصر أيضا، ما يقال عن وجود طريق أسفل القصر يصل بين الفيوم جنوبا ومدينة الإسكندرية في الشمال، وأن من يدخله لا يخرج منه أبدا، فهذه مجرد حكايات خرافية، لكن كان يوجد قديما طريق بري يصل بين الإسكندرية والفيوم عبر الصحراء، ويرجح الأثريون أنها كانت طريقا للتجارة أيام الفراعنة، فقد كانت تخرج منها القوافل إلى الواحات البحرية ومحافظات الصعيد والإسكندرية.معالم القصر
يوجد في القصر عدة حجرات فيها صور جدارية معظمها تتعلق بعبادة الشمس وقوالب خاصة بسك العملة، كما يحتوي على حمام روماني وبعض الأدوات المنزلية القديمة وأوانٍ فخارية، ويحتوي أيضا على جزء من قلعة رومانية صغيرة بها تسعة أبراج ومحاطة بسور له باب حديدي، والقصر يتكون من بهوين كبيرين، يفضيان إلى حجرة تسمى قدس الأقداس، الذي يحوي ثلاث مقصورات، اثنتان منها لوضع التماثيل والثالثة للمركب المقدس، كما أن قدس الأقداس توجد تحته ممرات تؤدي إلى الطابق العلوي.ومن الأشياء المهمة التي اكتشفت أخيرا أن الشمس تتعامد على قدس الأقداس في كل عام في نفس اليوم من السنة، وتعتبر ظاهرة تعامد الشمس على المعبد صبيحة الحادي والعشرين من شهر ديسمبر من كل عام ظاهرة معمارية فلكية فريدة، حيث تتعامد الشمس على قدس أقداس المعبد، تزامنا مع بداية الانقلاب الشتوي، الذي يعد إيذانا ببدء فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، وتقيم محافظة الفيوم احتفالية ضخمة له، إذ تسعى المحافظة إلى تركيز الانتباه إلى هذه الظاهرة الفلكية، في إطار جهودها الدائمة لتنشيط حركة السياحة والتعريف بما تزخر به المحافظة من إمكانيات سياحية وأثرية وثقافية وبيئية، والتي تؤهلها لأن تحتل مكانة متميزة على خريطة السياحة المحلية والعالمية.ويحقق قصر قارون أعلى ايرادات سياحية من بين 5 مناطق أثرية مفتوحة للزيارة بالمحافظة، تشمل منطقة كوم أوشيم (كرانيس)، وهرم هوارة، وهرم اللاهون، ومعبد مدينة ماضي، وذلك حسب تصريحات للمدير العام للآثار بالفيوم، الباحث الأثري سيد الشورة، مشيرا إلى أن إيرادات معبد قصر قارون ترتفع لأعلى إيرادات خلال العام، بعد ظاهرة تعامد الشمس على قدس الأقداس في 21 ديسمبر من كل عام، حيث تلفت الظاهرة انتباه السياح إلى المكان.وأرجع الشورى أهمية قصر قارون، إلي أنه معبد مخصص لعبادة الإله ديونيسيوس، (إله الحب والخمر في العصر الروماني اليوناني)، وليس له علاقة في تسميته بأسطورة «قارون الشهيرة»، لأن القرآن الكريم، قال عنه «فخسفنا به وبداره الأرض»، وأن تسميته تعود إلى وجود المعبد بجوار بحيرة قارون، والتي سميت بهذا الاسم نسبة إلى الخلجان والقرون التي توجد بها، مثل القرن الذهبي، وقرن الجزيرة، وقرن جزيرة أبو نعمة، حيث سميت ببحيرة القرون، وحرّفت فيما بعد لبحيرة قارون.العصر البطلمي
بني القصر من الحجر الجيري، ويبلغ ارتفاعه 13 مترا، وعرضه 19 مترا، وطوله 32 مترا، ويتكون من 3 طوابق، في الطابق الأرضي يوجد 3 صالات يتقدمها قدس الأقداس، وله سلّمان على الجانبين، يؤديان إلى الطوابق العلوية، ويحتوي على نقش يمثل الإله سوبك، الذي بني في عصره هذا المعبد. أما عن الحكايات الخرافية التي لازمت القصر فقد نفاها أحمد عبدالعال المدير العام لآثار الفيوم، الذي أكد أن قصة هذا القصر وملكيته لقارون أكذوبة، وأن هذا القصر عبارة عن موقع أثري به معبد من أواخر العصر البطلمي، وتحيط به بقايا المدينة القديمة دينيسيوس، التي تقع قريبا من الطرف الجنوبي الغربي لبحيرة قارون.وقد أسست هذه المدينة في القرن الثالث ق.م، وازدهرت في العصر الروماني، وكانت منطقة حدود تخرج منها القوافل إلى الواحات البحرية، وأن هذه المنطقة ظلت بلا حفر حتى زارتها بعثة فرنسية سويسرية عام 1984، وأجرت حفائرها التي أسفرت عن كشف حمام روماني وعدة منازل بعضها مزيّن بصور جدارية متميزة بزخارف لها علاقة بعبادة الشمس، كما عثرت البعثة على كثير من الأدوات المنزلية والأواني الفخارية، وعدة قوالب تراكوتا خاصة بالعملة، وكشفت عن بقايا قلعة رومانية ضخمة بناها دوق لاتيان، لصد أي غزو قادم من الجنوب، وشيدت من الطوب الأحمر وبعناية فائقة ومحاطة بسور له باب من الحجر الجيري، وبها 9 أبراج.