إذا ما استثنينا الاستجوابات الموجهة إلى الوزراء الشيوخ التي تدار عادة بطريقة تختلف عما سواها وبحسابات بعيدة كل البعد عن مادة الاستجواب نفسها، والقرائن والشواهد على ذلك كثيرة، ويمكن الرجوع إلى تصريحات بعض الشيوخ ومنها المقابلة الشهيرة للشيخ أحمد العبدالله قبل تسع سنوات تقريباً. إذا ما استثنينا تلك الاستجوابات فإن تاريخ الاستجوابات، وعلى عمر المجلس، مرّ بمراحل استخدمت فيها كل أنواع التكتيكات، حيث كان له هيبة تجبر الحكومة على حشد كل طاقاتها، ومع ذلك وفي غالب الأحوال يؤدي إلى أزمة سياسية تنتهي فصولها إما بتدوير الوزراء أو رفع كتاب استقالة الحكومة، وحل مجلس الأمة، وقد يصل إلى طريق مسدود بتعليق الحياة النيابية كما حدث أيام دواوين الاثنين. ومن الأساليب المكررة التي تستخدمها الحكومة في مواجهة الاستجواب الطلب من الوزير تقديم استقالته، وفي حالات أخرى وبعد ضمان وتوفير العدد الكافي من النواب المعارضين لطلب الثقة تقرر المواجهة حتى مع تقارب النتيجة، كما حدث في استجواب النائب السابق مسلم البراك للوزير الدكتور يوسف الإبراهيم. الحكومة وفي مواقع كثيرة تمكنت من كسر حاجز الخوف عندما قرر رئيس الوزراء السابق سمو الشيخ ناصر المحمد صعود المنصة، وتبعه في ذلك سمو رئيس الوزراء الحالي الشيخ جابر المبارك، حيث كانت هذه الممارسة من المحرمات في الماضي، إلا أنها ومع الوقت أضحت ممارسة عادية. لقد استطاعت الحكومة التخلص من عقدة الاستجواب، ولم تعد تربط تأخرها عن متطلبات التنمية بالأسطوانة المشروخة شماعة عدم التعاون النيابي، وهو بحد ذاته إنجاز، كما أنها وفي المقابل استطاعت فرز أعضاء مجلس الأمة إلى نواب مولاة ومعارضة داخل قبة عبدالله السالم وخارجها.
على الجانب الآخر نرجع إلى حق نواب الأمة في استخدام أداة الاستجواب واستمرارهم في استخدام الأسلوب التقليدي نفسه الذي قيدوا أنفسهم فيه بعد أن جعلوا غاية همهم جمع التواقيع العشرة، وهو العدد اللازم لتفعيل هذه المادة على أمل انفراط السبحة كما حدث في استجواب الشيخ سلمان الحمود، والشيخ محمد العبدالله، والسيد مصطفى الشمالي.المؤسسة البرلمانية ومنذ بداية الحياة الديمقراطية لم تستطع تطوير أدوات الرقابة، فحتى عندما وصلت المعارضة أو الأغلبية إلى السيطرة على مجلس الأمة ضلت طريقها، وانشغلت في تصفية الحسابات وإطلاق أعضائها الألقاب على بعضهم، حتى تحول المجلس إلى حلبة مصارعة، فكانت النتيجة حلّ مجلس الأمة وتغيير نظام التصويت الانتخابي.اليوم ورغم مساحة الحرية التي وفرتها وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الاستجوابات ظلت غير مؤثرة ولا تتمتع بأي غطاء شعبي، بالإضافة إلى أنها باتت وسيلة لتصفية الحسابات الشخصية المكشوفة للمواطن، وأيضاً ابتعاد النواب عن طرح وتبني القضايا الشعبية التي تلامس حياة المواطن اليومية.إحراج الوزير سياسياً وشعبياً يمكن أن يكون إحدى الوسائل الرقابية الفاعلة التي تؤدي إلى الغاية نفسها من جلسة طرح الثقة، كما جاء بنص المذكرة التفسيرية التي جعلت من كفاءة الاستجواب مادة كافية لتقديم الوزير استقالته متى ما شعر بالمسؤولية السياسية، ووجد فيها ما يعزز مفهوم التجريح السياسي والشعبي. ودمتم سالمين.
مقالات
الاستجواب أداة رقابية فقدت بريقها
09-07-2019