العراق: الرأي العام يدعم الحكومة ضد «حليف سليماني» الأول
نجحت الحكومة العراقية في كسب تأييد شامل للمرسوم الذي صدر الأسبوع الماضي بشأن تقييد الميليشيات والحشد الشعبي الى درجة تذوب وجوده ضمن قيادة الجيش النظامي، لكن ذلك لم يمنع فصيلا مقربا للغاية من طهران، من بدء حملة ضد بغداد ابتدأت ببيان تصعيدي نادر، ولم تنته بمزاعم حول اختراق هاتف جنرال عراقي كبير تتهمه الفصائل بالتعاون مع المخابرات الأميركية.وأصدر رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي مرسوما الأسبوع الماضي تضمن قرارات مهمة تقضي بتقييد حركة نحو مئة ألف مقاتل غير نظامي في البلاد، شاركوا في الحرب على تنظيم داعش، لكنهم لم يعودوا الى منازلهم بعد انتهاء الحرب منذ سنتين، ويلاقي الأمر تشكيكا بإمكانية تطبيقه السريع، لكن الرأي العم أبدى تحمسا واضحا تجاهه، مما يعكس تحولا في الموقف من الفصائل بين الجمهور الشيعي خصوصا.وبرر عبدالمهدي إجراءاته، وهي أقسى من أي قرار سابق، بعبارات تشبه الاعتذار لـ "القوات المجاهدة" التي يريد حمايتها من اعتراضات في الداخل والخارج، وهي اعتراضات جوهرية محرجة جعلت معظم قادة الفصائل يؤيدون مرسوم الحكومة الذي يجب تنفيذه مع نهاية يوليو الجاري، إلا أن فصيلا يدعى كتائب حزب الله، مقربا للغاية من حرس الثورة الايراني، ويمتلك نفوذا يوصف بأنه واسع، صدر عنه رد الفعل الوحيد الذي حمل طابع الانفعال الصريح ضد بغداد.
واعتبر الفصيل هذا أن مجمل التحرك الحكومي يعني إذعانا للضغوط الاميركية، والعربية. وتعود حساسية هذا البيان الى عائدية الكتائب المذكورة الى النائب العراقي السابق جمال جعفر محمد علي، المعروف بأبي مهدي المهندس، وهو يشغل اليوم منصب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي التي تضم معظم الفصائل التابعة نظريا الى الحكومة. كما توجه إليه منذ الثمانينيات تهم التورط في أعمال ارهابية في مناطق عدة من الشرق الاوسط.ولم يمض يوم على صدور بيان الكتائب حتى نشر الفصيل ذاته مكالمة هاتفية مزعومة تفترض أن قائد عمليات الأنبار الجنرال العراقي محمود الفلاحي، يقدم معلومات حول مواقع معسكرات الحشد عند الحدود مع سورية، الى المخابرات الأميركية تمهيدا لضربها.وواجه كل من البيان المناهض للحكومة والتسريب الصوتي المزعوم، سخرية واسعة بين العراقيين في مواقع التواصل الاجتماعي، وامتعاضا من تمرد الكتائب على أوامر الحكومة القاضية بضبط السلاح، خاصة أن واشنطن وعبر قيادة مشتركة في العراق لديها معلومات حول مختلف المقار العسكرية بحكم تنسيقها لدعم العراقيين خلال الحرب مع "داعش" وعمليات التطهير الوقائية المتواصلة غرب البلاد.واستذكر الجمهور ضمن سخريته من موقف الميليشيات، عمليات سرية وعلنية قام بها الفصيل المذكور سابقا، مثل التورط بخطف الصيادين القطريين جنوب النجف شتاء ٢٠١٥، ثم الادعاء بقتل نائب الرئيس العراقي السابق عزت الدوري، وامتلاك جهاز هاتفه، مما تبين لاحقا انه لم يحصل.وتتصاعد الحساسية في العلاقة بين الفصائل المقربة على طهران، والجمهور العراقي، خصوصا في ظل الأزمة بين طهران وواشنطن، وما يمكن أن تؤدي اليه من آثار كبيرة، وبينما كانت الميليشيات تجد بعض التأييد في جنوب البلاد أثناء الحرب مع داعش، فإن وجودها بات اليوم يثقل كاهل كثير من المدن السنية والشيعية، بتدخلات أمنية وتوسع في الأنشطة التجارية وتوريطا للعراق بمواقف مناهضة لشركاء عرب ودوليين، وصلت إلى حد استهداف سفارات وقصف صاروخي لشركات النفط وسط شكوك بنشاطات خطيرة عابرة للحدود في أزمة الخليج.