في الشهر الماضي أجبرت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المكسيك على الموافقة على اتخاذ "خطوات غير مسبوقة" للحد من الهجرة غير الشرعية، والاتجار بالبشر عبر حدودها، إن هذه الصفقة- التي سيُقَيَّم تنفيذها هذا الشهر- تبعث على الخزي للمكسيك والولايات المتحدة على حد سواء.ولم ينشأ الخلاف حول الهجرة مع ترامب، ففي صيف 2014، اتخذ الرئيس الأميركي باراك أوباما، قرارا تجاه تدفق عدد القاصرين، الذين كانوا يصلون إلى الحدود الأميركية بدون مرافق، عن طريق مطالبة الرئيس المكسيكي آنذاك، إنريكو بينيا نييتو، بإرسال قوات إلى حدود المكسيك مع غواتيمالا لوقف التدفق، وامتثل بينيا للطلب، رغم أن المكسيك لم تتلق أي شيء في المقابل، وانخفض عدد المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود.
ولكن التوترات تصاعدت بشكل كبير في ظل إدارة ترامب، لأسباب ليس أقلها أنه بحلول أواخر عام 2017، ارتفع، مرة أخرى، عدد المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود الأميركية بشكل صاروخي، وفي وقت مبكر من عام 2018، قيل إن الولايات المتحدة كانت تعتقل نحو 50000 مهاجر- خصوصا من أميركا الوسطى، وكذلك من كوبا وإفريقيا– كل شهر، مقارنة بنحو 20.000 مهاجر، خلال المدة الزمنية نفسها بين 2015 و2016.ولم يكن لمحاولات ترامب لإيجاد الحلول أي تأثير يذكر، ولا يزال الجدار الحدودي الموعود بعيداً عن البناء، وقوبلت سياسته المتمثلة بفصل الأطفال المهاجرين عن آبائهم على الحدود، بعنف شديد لدرجة أنه اضطر إلى تغييرها، مع أنه مازال يُحتفظ بالأطفال في ظروف مروعة، وأثبتت عمليات الترحيل الجماعي أنها رادع ضعيف أيضاً.وبالنسبة إلى رئيس فاز بمنصبه إلى حد ما على أساس الوعد بالحد من الهجرة بأي ثمن، فإن ذلك كان مؤلما جداً، ولكن الأمر أصبح لا يطاق حقاً هذا العام، عندما ارتفع عدد الوافدين الجدد مرة أخرى، حيث واجهت السلطات الأميركية، في شهر مايو فقط، أكثر من 144000 مهاجر، أو ألقت القبض عليهم على الحدود المكسيكية، وهذا ارتفاع بنسبة 32٪ عن شهر أبريل.وتشير أصابع الاتهام بهذا الارتفاع جزئياً إلى الرئيس المكسيكي الجديد، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي أعلن قبل توليه منصبه في ديسمبر الماضي، أنه سيتبع سياسة "فتح الذراعين" للمهاجرين، بما في ذلك التأشيرات الإنسانية المعجّلة التي تدوم عاماً كاملاً، والحركة غير المعرقلة بالفعل في البلد. وعلى الرغم من إصدار عدد قليل من التأشيرات، فإن الوعد كان كافياً لإقناع عشرات الآلاف من مواطني الهندوراس، والسلفادوريين، والغواتيماليين، والكوبيين وغيرهم، بالتوجه إلى المكسيك، ثم التوجه شمالاً.وحتى قبل تنصيب أندريس مانويل، كان ترامب يضغط عليه لبذل المزيد من الجهود لدعم الولايات المتحدة في حربها على الهجرة، وبموجب اتفاق "البقاء في المكسيك"- المبرم في نوفمبر 2018 بين إدارة ترامب وحكومة أندريس مانويل المقبلة آنذاك– كان سيتم إعادة طالبي اللجوء من أميركا الوسطى الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة إلى المكسيك، في انتظار سماعهم أمام مسؤول أميركي.ولكن أكثر من 15000 من طالبي اللجوء الذين أعيدوا إلى المكسيك في الفترة بين يناير ومايو من هذا العام، وإلغاء المكسيك في يناير لبرنامجها للتأشيرة الإنسانية، لم يكن كافياً بالنسبة إلى ترامب، ومع حلول شهر مايو، كان ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 5٪ على جميع الواردات من المكسيك- لترتفع إلى 25٪ بحلول شهر أكتوبر- إذا لم تفعل حكومة أندريس مانويل المزيد. وفي وقت مبكر من الشهر الماضي وافقت المكسيك على جميع مطالب ترامب تقريبا.واتخذت إدارة أندريس مانويل بالفعل خطوات مهمة لإرضاء ترامب، ونشرت المكسيك 6000 من قوات الحرس الوطني في 11 "نقطة اختناق" بالقرب من الحدود مع غواتيمالا، من أجل احتجاز أكبر عدد ممكن من المهاجرين، وترحيلهم في نهاية المطاف، وأرسلت 15000 جندي آخرين إلى الحدود الشمالية، لردع المهاجرين الذين نجحوا إلى حد كبير، في دخول الولايات المتحدة دون الوثائق المناسبة.كما فتحت حكومة أندريس نقطتي دخول إضافيتين على الأقل لتتمكن السلطات الأميركية من أن تعيد عبرهما طالبي اللجوء، الذين ينتظرون جلسة الاستماع إليهم، وقررت قبول العديد من المهاجرين "العائدين" يوميا، من نحو 20 في كل نقطة دخول إلى 200، وتفيد التقارير أنه، إذا لم يحدث انخفاض كبير في معدل الهجرة، في غضون 45 يوما، فستقبل وضع "دولة ثالثة آمنة"، أي أنه سيسمح لمهاجري أميركا الوسطى في المكسيك، بطلب اللجوء في تلك الدولة فقط، وليس في الولايات المتحدة.وانتقد العديد من المراقبين في المكسيك، بمن فيهم أعضاء الائتلاف الحاكم، تصرفات أندريس، بحجة أنه كان من الأفضل أن يقبل رفع التعريفة الجمركية بنسبة مئوية محددة، بل أن يقبل حتى الخيار الثاني، ويؤكدون أنه في آخر المطاف، ربما قد تجبر المعارضة الشديدة داخل الولايات المتحدة ترامب على التراجع، وكان من الممكن للمكسيك أن تدعم ذلك، عن طريق فرض تعريفات انتقامية على الصادرات من الولايات الأميركية المنتقاة والحساسة على مستوى الانتخابات. وكان من الممكن أن تستأنف قرار التعريفة الأميركية في منظمة التجارة العالمية.ولم تكن لتكون أي من هذه الإجراءات خالية من الألم، لكن التكاليف ستكون أقل من التكلفة السياسة الحالية، والتي وجهت، من بين أشياء أخرى، ضربة قوية لحقوق الإنسان في المكسيك.ولا تعرف قوات الأمن المكسيكية كيفية استجواب المهاجرين، أو تحديد وضعهم القانوني مع احترام حقوقهم الأساسية، وفي آخر المطاف، قد يكون من الصعب للغاية التمييز بين السكان المحليين والمهاجرين من أميركا الوسطى، وبينما وافقت شركات الحافلات الكبرى- مرة أخرى، بناءً على طلب من إدارة ترامب- على طلب بطاقة هوية من ركابها، تفتقر المكسيك إلى بطاقة هوية وطنية، كما أن مواطنيها ليسوا ملزمين قانونيا بحمل أي مستندات، وهذا يضع الحكومة في إقليم قانوني مجهول.وفضلا عن ذلك، ليست قوات الأمن المكسيكية مدربة على إدارة مراكز احتجاز المهاجرين بشكل فعال، وفي الواقع، فإن الظروف في تلك المراكز سيئة للغاية، لدرجة أنه يمكن مقارنتها بمعسكرات الاعتقال في فيشي في فرنسا، التي كانت تؤوي لاجئين من أوروبا المحتلة، في أربعينيات القرن الماضي، وهذا أمر لا يمكن الدفاع عنه أخلاقياً، وقد يكون له عواقب طويلة الأمد على المكسيكيين أنفسهم، لأن المكسيك هي أيضا بلد مصدر للمهاجرين، ولا يمكن للمكسيك أن تشجب عمليات الترحيل الأميركية للمكسيكيين غير المسجلين، أو أن تدين الجدار الحدودي لترامب، في حين تعامل المهاجرين من أميركا الوسطى بطريقة سيئة للغاية.وحاليا، على أية حال، فإن حكومة المكسيك عالقة في فخ ترامب، وإذا كانت ستخلص نفسها، فيتعين عليها أن تبدأ المقاومة الآن.* وزير خارجية المكسيك بين 2000 و2003، وأستاذ العلوم السياسية ودراسات أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بجامعة نيويورك.«جورج ج. كاستانيدا*»
مقالات
المكسيك تخطئ في سياستها المتعلقة بالهجرة
10-07-2019