شرعية السلطة بين الاستكفاء... والاستيلاء
![محمد المقاطع](https://www.aljarida.com/uploads/authors/21_1703694711.jpg)
وقد عانت أوروبا من الصراع المرير الذي عاشته دولها وممالكها عبر تاريخ طويل، وهي تبحث عن "النموذج الصالح" لشرعية السلطة، الذي يجنبها الحروب وانهيار دولة وقيام أخرى، وقد وجدت أوروبا ضالتها في نماذج وتطبيقات عديدة من الممارسات الناضجة للحكم الرشيد في دول "الخلافة الإسلامية"، التي سارت منذ "دولة المدينة المدنية"، التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم، مروراً بدول الخلافة الأموية فالعباسية، وعبوراً للدولة الأموية بالأندلس فالدولة العثمانية، إذ إن النسق العام لتولي السلطة كان دائماً وأبداً قائماً على أساس "شرعية السلطة"، الذي يسنده رضائية وبيعة وركائن نظامية لتداول السلطة سلمياً.وقد أتيحت لأوروبا فرصة ذهبية فريدة للتعرف على نهج سلطة شرعية الحاكم ومبادئها الجوهرية، سواء في الممارسات المتعاقبة الرشيدة لتجارب الخلافة بالتاريخ الإسلامي، أو من دراسة المراجع الرصينة لعلم السياسة الشرعية وهي "كتب العلم الدستوري" المستمدة من الشريعة الإسلامية، وقد كانت بوابة أوروبا للنهل من تجارب ومعارف الإسلام الدستورية "الدولة الأموية في الأندلس"، التي دانت لها أوروبا بالتقدم والمعرفة ورقي حضارتها، فأرسلت البعثات والدارسين والعلماء في شتى العلوم الطبيعية والإنسانية للنقل منها، والاستفادة من تجاربها، حتى وصل الأمر بملوك وأمراء ونبلاء أوروبا إلى التدافع بإرسال فلذات أكبادهم للتعلم من هذه الحضارة والعلوم، بما فيها تربية البلاط "النمط الخليفي أو الملكي"، الذي تتم تنشئة الأمراء عليه وتدريبهم على فهم جوهره ومصادر شرعيته.وهذا هو ما يفسر لنا لماذا عاشت أوروبا عهوداً طويلة في تبرير "ملوك الاستيلاء"، وهو ما عرف بمسمى de facto Kings لتبرير تولي السلطة بصورة غير مشروعة، وعاشت أوروبا مخاضاً طويلاً في البحث عن أساس لشرعية السلطة، ولم تبلغ ذلك إلا بعد أن وجدت ضالتها في تجربة دول الخلافة الإسلامية وحضارتها وعلومها عبر الدولة الأموية بالأندلس، وقد انعكست الآية بعد أن انتقلت أوروبا إلى العهود الدستورية القائمة على تلك النماذج، فبعد استعمار دولنا من قبلهم زرعوا لدينا نماذج لـ "سلطات الاستيلاء"، وأُوهنت لدينا نماذج شرعية السلطة، إلا ما ندر، ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش دوامة نماذج "سلطة دول الاستيلاء" بدلاً من دول شرعية السلطة والبناء.