15 يوليو... الليلة التي تغيرت فيها تركيا إلى الأبد
مضت ثلاثة أعوام على المحاولة الانقلابية التي قام بها تنظيم غولن الإرهابي بتاريخ 15 يوليو، وهذه المحاولة الانقلابية التي جرت في 15 يوليو تم التخطيط لها من قبل قيادة تنظيم غولن الإرهابي، وتم تنفيذها من قبل أعضاء التنظيم الذين تسللوا إلى صفوف جيشنا من خلال الخروج على التسلسل القيادي للقوات المسلحة، وهي تعتبر من أكثر الهجمات الإرهابية الدموية التي تعرضت لها تركيا. ولم يشهد تاريخنا مثيلاً للوحشية والخيانة التي أقدم عليها الضالعون في هذا الهجوم: حيث تم قصف مباني البرلمان ورئاسة الجمهورية ورئاسة الاستخبارات الوطنية ومركز قيادة عمليات قوات الشرطة الخاصة في غولباشي والأمن العام، وتم الدوس على المدنيين بالدبابات وقصفهم من الجو وإطلاق النار عليهم من المروحيات، كما أمطر أعضاء التنظيم الخونة ممن يرتدون الزي العسكري رفاقهم في السلاح بالقنابل دون أن يرف لهم جفن، حتى أنه لم يتم التوصل إلى جثامين 51 شرطياً استشهدوا جراء قصف مبنى مركز قيادة عمليات قوات الشرطة الخاصة بالطائرات الحربية، ففي تلك الليلة استشهد 251 مواطناً تركياً وأصيب أكثر من ألفي مواطن تركي بجروح. لقد أظهر الخامس عشر من يوليو التهديد الكبير الذي يشكله تنظيم غولن الإرهابي ضد دولتنا، وفي حقيقة الأمر، يجب أيضاً تقييم الشبكة الغامضة التي أسسها تنظيم غولن الإرهابي طوال عشرات السنين، وخاصة المدارس والمعاهد التعليمية، والأعمال التي قام بها سابقاً، حتى نتمكن من فهم واستيعاب كل جوانب الخامس عشر من يوليو، فقد تم تأسيس مدارس تحت غطاء حركة تعليمية بريئة بغية غسل أدمغة الشباب، وإنشاء مجموعة من المريدين المتطرفين الذين ينفذون التعليمات الصادرة من قيادة التنظيم دون أي نقاش، ولا يتقيدون بأي من الضوابط القانونية والأخلاقية في سبيل ذلك.
وتم فرز خريجي هذه المدارس في أكثر مؤسسات الدولة حساسية من خلال سرقة أسئلة الاختبارات، ونصب شتى أنواع المكائد للتخلص من كل الذين يقفون عائقاً أمام التنظيم، وعزز تنظيم غولن الإرهابي نفوذه الاقتصادي والسياسي من خلال إساءة استخدام السلطة وموارد الدولة ووضعها في خدمة مصالح التنظيم. وللأسف لم يتضح حجم التنظيم السري الذي أسسه تنظيم غولن داخل القوات المسلحة التركية التي تعتبر من أكثر مؤسسات الدولة أهمية، إلا في الخامس عشر من يوليو. ويعود الفضل الأكبر للقضاء على هذا التهديد للشعب التركي الذي أثبت أنه لا يعترف بقوة تفوق إرادته وأنه مستعد للتضحية بحياته في سبيل الحفاظ على دولته ومكتسباته الديمقراطية. وخلال السنوات الثلاث المنصرمة احتل موضوع مكافحة تنظيم غولن الإرهابي داخل البلاد وخارجها صدارة الأولويات الأساسية للدولة التركية، ففي داخل البلاد تسير المساعي التي نبذلها ضمن ثلاثة مسارات رئيسة: أولا، ضمان محاسبة المسؤولين عن المحاولة الانقلابية في 15 يوليو أمام العدالة استناداً إلى مبدأ سيادة القانون. ثانيا، كشف البنية التنظيمية لتنظيم غولن داخل مؤسسات الدولة وإخضاع أعضاء التنظيم لتحقيقات إدارية وقضائية وفي التحليل النهائي تدمير "التنظيم الموازي للدولة" الذي أسسه تنظيم غولن.ثالثا، القضاء على البنى الصورية والوهمية لتنظيم غولن والتي بقيت خارج مؤسسات الدولة، ولكنها انتشرت على كل الصعد، انطلاقاً من التعليم وصولاً إلى الإعلام ومن قطاع المصارف إلى كل مناحي الاقتصاد. وعلى الرغم من التحديات الأمنية الاستثنائية التي نواجهها خضنا كفاحاً في داخل البلاد يستند إلى سيادة القانون ومبادئ الحفاظ على الحقوق والحريات الأساسية، وتم بذل المساعي من أجل الحؤول دون إلحاق الغبن بأحد، وإحداث آليات جديدة لتدقيق المزاعم المتعلقة بوقوع حالات من الغبن وإيجاد حلول لها. وخلال هذه العملية واجه تنظيم غولن الإرهابي تحولاً مهماً، حيث فقد التنظيم عموده الفقري في تركيا وهو يحاول البقاء على قيد الحياة من خلال هيكليته التنظيمية في خارج البلاد، وبالتالي، اكتسبت مكافحة الهيكلية التنظيمية لتنظيم غولن في خارج البلاد أهمية أكبر. إن مكافحة الكيانات الخارجية لتنظيم غولن الإرهابي قد أصبح واحداً من الأولويات الأساسية ضمن أجندة عمل وزارتنا، وإن إظهار الخطورة الأمنية التي تشكلها فعاليات تنظيم غولن الإرهابي تجاه الدول الأخرى هو المحور الأساسي الذي ترتكز عليه جهودنا، وفي هذا الإطار، فقد عمل تنظيم غولن الإرهابي منذ التسعينيات على تأسيس كيانات في الدول الأخرى التي توسع فيها بصورة مشابهة للكيانات التي أسسها في تركيا وهدف إلى إيجاد نفوذ سياسي واقتصادي له، كما أن هناك دلائل دامغة على أنه لم يتردد في مخالفة قوانين البلدان التي يوجد فيها، وأنه عمل فيها كما لو أنه تنظيم استخباراتي بحت. ومن ناحية أخرى، تم العمل على إيجاد تدابير إدارية من أجل تضييق الخناق على تحركات تنظيم غولن الإرهابي خارج البلاد والحيلولة دون إفلات منسوبيها من العدالة ولمنع قيامهم بتحويل الأموال إلى الخارج، كما تم البدء بتنفيذ الإجراءات القضائية ضدهم. وعليه، وفي إطار حملة التحقيقات التي جرت في تركيا ضد قيادات تنظيم غولن الإرهابي قمنا بمخاطبة الدول التي ينشطون فيها لتسليمهم إلى السلطات التركية، ومن أجل منع أي ضرر قد ينتج عن اتخاذ إجراءات ضد تنظيم غولن الإرهابي وخاصة في مجال التعليم، فإن نشاط "وقف المعارف التركي" على الصعيد العالمي مستمر، وفي إطار ما ورد، فإننا نواصل حصد النتائج الملموسة لجهودنا المبذولة في هذا الاتجاه وذلك بمساهمة ممثلياتنا في الخارج. وعليه فإنه بدأ ينجلي للعالم- ولو بشكل بطيء- أن تنظيم غولن الإرهابي تنظيم مشبوه له أجندة سياسية واقتصادية وأنه لم يكن أبدا حركة اجتماعية تعنى بأعمال الخير والتعليم، بعكس ما كان يروج له، وقد تشكل وعي ملحوظ لدى الرأي العام في الدول الأخرى تجاه حقيقة هذا التنظيم. قامت العديد من الدول والمنظمات الدولية بإعلان تنظيم غولن كتنظيم إرهابي، وفي هذا الصدد، تم إعلان تنظيم غولن كتنظيم إرهابي في الاجتماع الثالث والأربعين لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي وذلك في التاسع عشر من أكتوبر عام 2016م، كما تم اتخاذ قرار مماثل من طرف جمعية البرلمان الآسيوية في الأول من ديسمبر من عام 2016، وتم التأكيد عليه في السابع والعشرين من يناير عام 2017م في المؤتمر الثاني عشر لاتحاد البرلمانات لمنظمة التعاون الإسلامي، وإضافة إلى جمهورية قبرص الشمالية التركية قامت المحكمة العليا بباكستان باتخاذ قرار يتضمن إعلان تنظيم غولن كتنظيم إرهابي في الثامن والعشرين من ديسمبر عام 2018م. إن انكشاف حقيقة تنظيم غولن الإرهابي لدى الدول الأخرى ما كانت إلا نتاج تحقيقات أجرتها هذه الدول تجاه الفعاليات التي تقوم بها عناصر التنظيم، وتم الكشف عن الأنشطة اللاقانونية التي تقوم بها الخلايا المرتبطة بهذا التنظيم في العديد من الدول، وتم ترحيل منسوبيها خارج البلاد. حيث تم ترحيل ما يفوق مئة وعشرة من منسوبي هذا التنظيم الإرهابي من أكثر من عشرين دولة إلى تركيا، بالإضافة إلى الذين تم إبعادهم إلى دول أخرى. قام "وقف المعارف التركي" بتسلّم إدارة المدارس المرتبطة بتنظيم غولن الإرهابي في ثماني عشرة دولة حول العالم، وتم إغلاق المؤسسات التعليمية ومعاهد اللغة المرتبطة بهذا التنظيم في ست وثلاثين دولة. إن جهودنا المبذولة هذه قد رفعت من مستوى الضغوط على منسوبي التنظيم الموجودين في الخارج، ويواجه هذا التنظيم الإرهابي انحساراً ملحوظاً في أذرعه وتحركاته الخارجية، وقد زادت معدلات هروبهم من الدول التي ينشطون فيها لا سيما من إفريقيا. وبينما يشهد تنظيم غولن الإرهابي تقلصاً ملحوظاً في شبكاته الخارجية، يحاول جاهداً تأدية دور الضحية واختلاق رواية تروج لذلك عبر نشر أخبار لا أصل لها مستعيناً بجماعات الضغط (اللوبي) والعلاقات العامة، ويسعى جاهداً للظهور إعلاميا وتقوية تعاونه مع الأطراف المعادية لتركيا. إن جهودنا ضد الأذرع الخارجية لتنظيم غولن الإرهابي هو نضال طويل الأمد، وإن حكومتنا مستمرة وبحزم في مساعيها في هذا المنحى، ونقدر عاليا الدعم والتعاون الذي أبدته الكويت منذ اللحظة الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة.* سفيرة الجمهورية التركية لدى دولة الكويت