بين الجنون والنوارس *
عن إعادة التعريف بكل ما نأخذه كمسلمات يومية في حياتنا تحدثنا، عن مفهوم الوفاء والعشق والحب وما تعنيه كل تلك في زمن كهذا! حقيقة عجزت ككثير من الآخرين عن إيجاد وصف لهذه المرحلة، فقررت أن أترك النقط فيملأ السامع أو القارئ الفراغ!عن تعريفات مثل الحب مع رجل يتسلى بعدد من النساء فيسمى "فحلا"، وامرأة تحب رجلا خارج تلك المؤسسة الفاشلة التي تدعى الزواج، فيقال "ساقطة" أو مستهترة أو حتى "بلا أخلاق"! عن الارتباط الذي قالوا عنه مقدس حتى أصبحت المقدسات تباع على الأرصفة مع العلكة وعلب محارم الورق أو قناني الماء المثلجة في أشهر جهنم! فأصبح هو مجرد صفقة كما كل الصفقات بين أسرتين أو قبيلتين أو حزبين أو حتى وسيلة للحصول على حياة مريحة وإكمال الصورة الخارجية أمام المجتمع، وهذا بالنسبة إلى الرجل والمرأة إما لأنها تبحث عن حياة "إكسترا" مرفهة ولا تكتفي بمرفهة أو مريحة فقط، أو للهرب من وصفة جاهزة هناك استعدادا للمجتمع أن يضعها فيها في أقرب عيد ميلاد لها فتحمل لقب "عانس" مع مرتبة الشرف.عن تعريف الكراهية الدفينة التي أصبحت جزءاً من أحاديثنا اليومية، ومنها تسللت إلى بيوتنا وبين أفراد "الشلة" أو العائلة ثم جلست تحت الجلد تتنصت وتنطلق لتنتشر كالفيروس أو الخلية النائمة! عن المحبة والوفاء دون مقابل، فالاثنان أصبحا عملة صعبة أو نادرة أو أن تتوافر بمقابل، "كله بثمنه" فإن أردت المحبة فالسؤال الذي يطرح نفسه سريعا كم ستدفع مقابل تلك المحبة؟
عن الجنون أو باللهجة الخليجية "ينون" الذي يصف به الأستاذ والصديق عقيل سوار الكاتب والصحافي والمسرحي البحريني، بعض الكتّاب والصحافيين والشعراء من مدينة المحرق- وهي بالمصادفة مدينتي- حيث يقول "ميانين المحرق" كان قد تلقى اتصالا من أحد هؤلاء "الميانين"، وما إن سمع صوت الأستاذ والصديق حافظ الشيخ حتى قال له ضاحكا "حي الله ميانين محرق"، فضحك الاثنان وكلاهما يجلس في ركنه الدافئ من تلك الجزيرة التي هي وطني، كلاهما بعد عن الساحة فترك مساحة من الفراغ الذي لم يستطع أحد أن يملأه حتى الآن، ولا أعتقد أن أياً من كتّاب اليوم ملك ذاك الحس والقلم الخاصين، فما تصورناه استراحة محاربين أو حتى المواربة حتى تهدأ الخواطر والأنفس، أو ربما حتى يجمع كل منهما مخزونا جديدا من المواضيع والذكريات، ويسترجعا كثيرا من تلك الأوقات التي يحبان، تحول إلى هجران للصحافة، فولد سوار وهكذا كان يعرف، عاد لكتاباته مؤخراً ولكن عبر تغريدات على حسابه، أما أحد "ميانين المحرق" ولد الشيخ فقد اعتزل الحياة كلها. أغلق بابه العتيق وجلس يسامر كتبه وبعض الذكريات، وبين حين وحين يفتح نافذة ليطل منها على أحد الأصدقاء، ودائما بمكالمة، فهو لم يدخل عالم "الواتساب" و"التويتر" أو "الإنستغرام"، هو ما زال يحس بالغربة إذا عبر الجسر الفاصل بين جزيرتي المحرق والمنامة، ولا يعرف المبيت إلا في مدينته التي هي عشقه ودفئه وأمه ووطنه. وندرة اتصالات ولد الشيخ تجعل منها حدثا بحد ذاته، مطلوب الاحتفاء به بل مشاركة ذاك الاتصال بمحبي حافظ وعقيل رغم أن أحدهم لا يشبه الآخر إلا ربما في الجنون بتلاوينه، وما إن غرد عقيل سوار حتى توالت عليه الرسائل ممن يسميهم "ميانين المحرق"، فكتب تغريدة قال فيها "ما ظل مجنون من مجانين المحرق إلا طلع لي.. من قاسم حداد إلى خولة مطر...!! انتهت تغريدة عقيل الذي أغلق نافذته حتى صباح اليوم التالي، عندما تجلس النوارس عند نافذته تنتظر تغريدته القادمة، هو الذي كان يطلق هذا الوصف على البعض، أي أنهم أو أنهن كالنوارس لا يمكثون قليلا عند شاطئ الخليج حتى يعودوا ليحلقوا بعيداً مرسلين تغريداتهم ونشيد فرحهم.ربما في تعريف الجنون يختلف الكثيرون بل حتى في أهمية بعض الجنون في حياتنا اليومية إن لم يكن كل الجنون في المساحات البيضاء الباقية، حيث النقاء الوحيد في محيط من التلوث. لا تتركوا جنونكم بل خذوه بقوة.* ينشر بالتزامن مع "الشروق" المصرية