انفصام في الشخصية السياسية!
المفارقة العجيبة أن حكومتنا القادرة في سياستها الخارجية على رد طلبات الرئيس الأميركي بكل غطرسته عاجزة في الداخل أمام التصدي لحفنة من الفاسدين والمتنفذين الذين يعيثون فساداً في البلاد والعباد، لذا نتمنى أن تستثمر الحكومة ولو ربع سياستها الخارجية لإصلاح الداخل المنهار!
مفارقة عجيبة تصل إلى حد التناقض بين سياسة الكويت الخارجية وإدارة شؤون البلد الداخلية، ومن يتابع بشكل دقيق اتجاهات السلوك الحكومي وأهدافها وأدوات تنفيذها وقناعتها خارجياً مقارنة بالأداء الحكومي وقراراتها في الداخل يشعر أننا إما أمام دولتين مختلفتين أو دولة واحدة مصابة بانفصام في الشخصية، الأمر الذي يثير علامات استفهام كثيرة.من المعروف أن سياسة الكويت الخارجية في غالب تاريخها السياسي القديم والحديث تنتهج الحيادية والتوازن، وأثبتت التجربة أن الخروج عن هذا الإطار مكلف جداً، ويصل إلى حد ضياع البلد، كما هي الحال بالنسبة إلى الغزو العراقي بخلفياته وأسبابه، وفي المقابل لا تنتهج الحكومة مثل هذا التوازن في الداخل رغم الحقيقة المرة بأن المجتمع الكويتي يتشكل من مكونات لها خصوصيتها وفوارقها البينية، ولم تكتف بعدم تعزيز الهوية الوطنية الموحدة أو تعزيزها على الجميع، بل انتهجت سياسة الانحياز عبر تحالفات مؤقتة مع مكونات محددة بغرض تحجيم الآخرين، وإن أدى ذلك إلى البطش بهم أحياناً، ومبررات ذلك جاهزة في كل مرة.
إضافة إلى ذلك، تهتم الدبلوماسية الكويتية بالوساطة الحميدة لحل الخلافات بالحوار والطرق السلمية، ولا تدخر جهداً في متابعة حتى الملفات الساخنة التي يرمي سمو الأمير بثقله شخصياً من أجل الخروج منها بتفاهمات مقبولة بين أطراف الخلاف، وتاريخ الكويت حافل بمثل هذه الإنجازات الدبلوماسية خليجياً وعربياً ودولياً، ومع ذلك فإن مشاكلنا في الداخل متورمة تتوارثها الأجيال دونما بصيص أمل في حلها مثل الواسطة والمحسوبية والتخبط الإداري والفشل التنموي وتردي الخدمات العامة رغم الملاءة المالية الفريدة من نوعها، كما أن قضية مثل البدون لا تزال كما هي منذ أكثر من ستين سنة، ومتروكة لمزيد من التعقيد والتبعات السياسية والاجتماعية والأمنية الخطيرة.البعد الآخر في السياسة الخارجية يتجسد في السجل الإنساني كرصيد من السمعة العالمية المميزة سطرتها سنوات من المساعدات والهبات والتصدي للعنصرية الأممية، لكن يقابل ذلك مختلف أشكال الإساءة للإنسان محلياً بدءا بالعمالة الوافدة، وهضم حقوقها والمتاجرة برقابها، مروراً بمعاناة الإخوة البدون في حياتهم اليومية وحرمانهم من أبسط حقوقهم المدنية والإنسانية، وانتهاءً بالمواطن الكويتي الذي يفترض أن يكون شريكاً في الحكم والثروة الوطنية، ولكن تنهشه القروض وفوائدها الفاحشة، وينتظر عقدين من الزمن لحين الحصول على رعاية سكنية، ويتعرض إلى أنواع الإذلال مستجدياً هذا النائب أو ذاك الوزير لتعيين أبنائه في الوظيفة المناسبة أو الإيفاد للعلاج.وأخيراً تتسم السياسة الخارجية بالشجاعة التي تفرض احترامها، ففي الوقت الذي وقفت فيه الكويت في وجه الضغوط الأميركية ضد التصعيد في الخليج واتخاذ موقف مشرف من مشروع صفقة القرن المذل انحنت أكابر الحكومات العربية أمام العين الحمراء لدونالد ترامب، لكن المفارقة العجيبة أن حكومتنا القادرة على رد طلبات الرئيس الأميركي بكل غطرسته عاجزة في الداخل أمام التصدي لحفنة من الفاسدين والمتنفذين الذين يعيثون فساداً في البلاد والعباد، لذا نتمنى أن تستثمر الحكومة ولو ربع سياستها الخارجية لإصلاح الداخل المنهار!