العراق: «حراك» الحكيم يصطدم بـالجمهور المندفع
تحاول تيارات سياسية في العراق بناء «معارضة تقويمية» مثيرة للجدل، من داخل النظام وخارج الحكومة، وأبرز من يقود تلك المحاولات، التي ربما تحدث لأول مرة بجدية، ويمكن أن تصبح بداية تغيير لقواعد العمل السياسي في بغداد، هو تيار الحكمة، الذي يتزعمه عمّار الحكيم، رجل الدين الشاب ذو الثقل العائلي الكبير، حيث يحاول تنظيم تظاهرات كبرى في المدن الشيعية الجمعة المقبلة.وتعود حساسية هذه التظاهرات إلى أسباب شتى، منها أن مركزها سيكون في البصرة، التي تشهد كل صيف احتجاجات عارمة، أدت العام الماضي إلى إحراق مقار الأحزاب والقنصلية الإيرانية هناك، في حدث نادر، ورافقها عنف أدى إلى مقتل العشرات واعتقال نحو 500 متظاهر، الأمر الذي لم تشهده بغداد نفسها طوال عقد كامل من الاحتجاجات.كما تستمد حساسيتها من عامل آخر، هو اقتراب انتخابات مجالس المحافظات والحكومات المحلية ذات الأهمية القصوى للأحزاب، والتي قد تجرى في الربيع المقبل.
وأدت قواعد العمل منذ سقوط صدام حسين عام 2003 ، إلى اشتراك جميع الأحزاب في الحكومات المتعاقبة، وفق نهج المحاصصة، رغم أن بعض الأطراف كانت تعارض نهج رئيس الوزراء وهي داخل حكومته، مما وصف بأنه أمر بلا جدوى، كما أن النوع الآخر من المعارضة لجأ إلى حمل السلاح وانتهى إلى مصير مؤلم، ولم يعد هذا المسار يحظى بشعبية تذكر. وأفرزت انتخابات العام الماضي حكومة جديدة ترأسها عادل عبدالمهدي، الموصوف بأنه مخضرم معتدل يحتفظ بعلاقات طيبة مع الغرب، ويتمسك بتوازن مع إيران، وهو يكمل خطوات سلفه حيدر العبادي في تطبيع العلاقات مع المحيط العربي، كما يحافظ على خفض التوتر الطائفي بالبلاد، الأمر الذي لم يجعله حتى الآن شخصية مرفوضة عند الجمهور، رغم بطء الإصلاحات الاقتصادية والأمنية، واعتراضات الرأي العام الواسعة على انهيار الخدمات في مجالات شتى.وبقي عمار الحكيم لسنوات جزءاً من تيار سياسي فاعل مطالب بالإصلاح، لكنه لم يتقبّل طريقة توزيع المكاسب الحكومية هذه المرة، إذ يجدها أقل من تضحياته السياسية طوال معارضته لنهج رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، وتشدد الميليشيات المتحالفة مع طهران، وهو ما دفعه، وفق المراقبين، إلى إعلان صريح للمعارضة النيابية، مقترن بتأكيد أن ذلك لا يعني سعيه إلى إسقاط حكومة عبدالمهدي، حليفه التقليدي لفترة تمتد إلى حقبة المنفى.ويقول المؤيدون لهذه الخطوة إنها يمكن أن تضع أول أساس للمعارضة البرلمانية، ففي وسعها تحشيد أصوات كثيرة في البرلمان، وتشكيل حكومة ظل تمثّل جماعة ضغط رقابية، خصوصاً ضد الفساد المستشري بإدارة الثروة في سوق كبير مثل العراق يقدر بنحو 40 مليون نسمة.لكن المشكلة التي تواجه الحكيم، رغم تضحياته كمؤيد للعقلانية السياسية ومكافح للتطرف الطائفي، أن الجمهور منفعل جداً، ويريد شعارات تنادي بإسقاط الحكومة وأحياناً البرلمان، بينما المعارضة على طريقة الحكيم تبقى مرنة وناعمة أحياناً لا تشفي غليل الرأي العام، وبالمقارنة، فقد كان نظيره مقتدى الصدر أكثر جرأة في التحالف مع اليسار والقوى الشبابية الأخرى، والقيام بحركات احتجاج مندفعة تستوعب غضب الجمهور الذي يكون هستيرياً في كثير من الأوقات.ونجح الحكيم في الخروج إلى حد كبير من تأثير السياسة الإيرانية، لكنه يواجه مشاكل معقدة نتيجة خياراته تلك، وإصراره على استبعاد الحرس القديم من حزب العائلة والمجيء بكوادر شابة لا تحظى دوماً بالخبرة والكياسة الكافيتين، وهي تناقضات تتحكم في حجم فرصته لبناء جماعة ضغط من داخل النظام العراقي في مجال مكافحة الفساد وسوء الإدارة اللذين يهددان شرعية الدولة أحياناً.