الكاتب العربي وريادة الأعمال
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
"غير صحيح".ابتسمت لها منتظراً منها توضيح فكرتها، فأكملت: "الكاتب العربي ما زال يعمل، وهو مسكون من جهة بفكرة قدسية الأدب ودوره الاجتماعي، ومن جهة أخرى يبقى منشغلاً بإنتاج كتاب إبداعي لافت في جنسه".وتوقفت لثوان ناظرة إليَّ قبل أن تضيف:"ليس من اعتراض على ذلك، لكن حان الوقت لأن يقف الكاتب العربي أمام أسئلة مهمة، وتدخل في صلب عمل الكاتب والكتاب وجمهور القراءة. بات على الكاتب العربي أن يسأل نفسه: لمن أكتب؟ من هي شريحة الجمهور التي أتوجه إليها؟ وما حاجة جمهور القراءة إلى ما أكتب؟".وتعود تنظر إليَّ موضحة:"مؤكد هناك مشكلة لدى الناشر العربي. لكن، هناك أيضا حلقة كبيرة مفقودة بين الكاتب وجمهور التلقي! وحلقة أكبر مفقودة في ذهن الكاتب العربي! فالكتابة الأدبية هي مشروع إبداعي إنساني تنويري ثقافي، وليس من مانع أبداً في أن تكون مشروعاً تجارياً ناجحاً. والنجاح هنا للكاتب والإبداع والناشر والقارئ وانتشار القراءة والمثاقفة، وهو ناجح أيضاً في البدء بالنظر إلى عملية الكتابة والنشر والتسويق من باب علم العصر الأهم، وأعني بذلك محتوى ريادة الأعمال، أقصد إنجاز موديل عمل للكاتب العربي، يساعده على معرفة موطئ قدمه في مهنة الكتابة والنشر والتوزيع وصلاته بجمهور القراءة ومداخليه واستفادته المادية".جلسة طويلة ونقاش متشعب دار بيني وبين الزميلة إيمان، ولقد استوقفني قولها: "مع إعزاز قيمة الكتاب فإنه يبقى منتَجاً، ولا يصح أن يُعرض منتَج دون دراسة سابقة لوعي وثقافة وميول ومزاج متلقي ومشتري هذا المنتج، والمستفيد منه".العالم يتغير، وبطريقة سريعة يصعب اللحاق بها، وإذا كان الكاتب العربي يرى في نفسه أداة تغيير تمسّ وعي وحياة الناس، فإنه من باب أولى أن ينظر إلى نفسه بأنه جزء من اللحظة الإنسانية العابرة، وأنه إذا لم يستطع قراءتها بشكل صحيح وتفهم عوالمها فإنه سيكون متخلفاً عنها، وبالتالي سيقدم مادة إبداعية أدبية لا تليق بها، ولا تخاطب جمهورها. واضح للعيان أن هناك مجاميع شبابية من كتّاب وناشرين ونقاد وجوائز وقراء بدأت بالتشكل منذ ما يزيد على العقد من الزمن، وأن هذه المجاميع بعلاقاتها الإنسانية المتشابكة وتواصلها، واتصالاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تكاد تسيطر اليوم على سوق النشر العربي وذائقة القارئ العربي، إلى جانب الناشرين العرب المعروفين. هذا الواقع الأدبي الجديد والمتجدد، يفرض على الكاتب العربي أن يقف أمامه ويتأمل مفرداته، ومن ثم يقدم مُنتجاً إبداعيا يخصه وينطق بوعيه وموقفه من الحياة، وفي الوقت نفسه يستطيع أن يحاكي شريحة كبيرة من جمهور القراءة العربية الذي صار يعيش اللحظة العابرة وفق شروط ومعطيات العولمة. ربما حان الوقت لأن يؤمن الكاتب العربي بقدسية الكلمة من جهة، وقدرتها على مسَّ وعي الناس والتأثير بهم، لكن ربما صار يجب عليه أيضا أن يلتفت إلى حقه المالي مقابل ما يبذله من جهد إنساني متميّز.