كوريا الشمالية لا تتوق إلى عقد صفقة نووية مع الولايات المتحدة
ثمة أدلة على أن بيونغ يانغ نجحت في تخطي تهديد العقوبات الأميركية المتواصلة، ووفق مؤسسة "38 نورث" استمر العمل في محطة تخصيب اليورانيوم في مركز يونغبيون للأبحاث النووية العلمية، حتى خلال لقاء ترامب وكيم الثالث.
لا تبدو كوريا الشمالية يائسة للتفاوض بشأن اتفاق مع الولايات المتحدة أو حتى الحد من برنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية.يوضح محلل من "38 نورث"، وهي مؤسسة فكرية مرتبطة بمركز "ستيمسون" في العاصمة الأميركية واشنطن، في تقرير صدر في شهر يوليو عام 2019: "لا شك أن بيونغ يانغ ترغب في رفع العقوبات، عقد معاهدة سلام، وتعزيز الاستثمار والتجارة. ولكن أمامها خيارات أخرى أيضاً". يأتي تقييم "38 نورث" التفاعلات الجيو-سياسية المحيطة بكوريا الشمالية بعد أسابيع فقط من عبور ترامب المنطقة المنزوعة السلاح، التي تفصل بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، ومصافحته الحاكم الكوري الشمالي المستبد كيم يونغ أون.يُعتبر ترامب أول رئيس أميركي يطأ الأراضي الكورية الشمالية، لكن مصافحته كيم، فضلاً عن اللقاءين السابقين بين كيم وترامب في دولتين أخريين، تمنح شرعية لحكم كيم العنيف من دون أن تحقق أي تقدم نحو كبح لجام برنامج كوريا الشمالية النووي.
يضيف محلل "38 نورث": "سوء فهم وضع كوريا الشمالية خطير، فإذا استندت المحادثات إلى افتراض أن بيونغ يانغ بأمس الحاجة إلى صفقة وأنها تعتقد أنها لا تستطيع التوصل إلى صفقة مماثلة إلا مع ترامب، نميل عندئذٍ إلى التفكير في أن بإمكاننا انتزاع التنازلات من الكوريين الشماليين قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020". يتابع: "إذا لم يُعد انتخاب ترامب، وهذه فرضية بعيدة الاحتمال، تضيع هذه الفرصة".لكن كيم حصل على الأرجح من ترامب على كل ما يريده، وذلك من دون أن يقدّم أي مقابل، فربما لا يخشى الحاكم الكوري الشمالي تأثيرات العقوبات المستمرة أو تداعيات تفويت فرصة للرفع هذه العقوبات. يقوم طرح أن بيونغ يانغ تتوق إلى التخفيف من العقوبات وأنها مستعدة بالتالي للتخلي عن أسلحتها النووية مقابل قدرتها على ولوج السوق "على افتراض أن كوريا الشمالية، على غرار أي بلد آخر في العالم، تعجز عملياً عن تحقيق نمو اقتصادي كبير إذا عارضت الولايات المتحدة ذلك"، وفق خبير "38 نورث". يشير التحليل المنطقي وراء هذا الطرح عموماً إلى أن ما من شركة أو دولة كبيرة تتجرأ على انتهاك حصار على التجارة، المعاملات المالية، ونقل المعلومات التكنولوجية تفرضه الولايات المتحدة أو تدعمه، لكن هذا التحليل قد لا يبقى ملائماً مدة طويلة في مشهد جيو-سياسي متبدل.وقد تصبح كوريا الشمالية رائداً في هذا المجال، فمنذ تأسيسها حتى عام 1990 تقريباً، استطاعت أن تجني فوائد كبيرة من نظام عالمي ثنائي القطب، واليوم، نرى الحرب الباردة بنسختها الثانية بين الولايات المتحدة والصين تلوح في الأفق. لا شك أن وضعاً مماثلاً يُعتبر كارثياً بالنسبة إلى أوروبا، نظراً إلى اعتمادها على سلاسل الإمداد العالمية والتجارة الحرة، أما كوريا الشمالية، فقد تنجح مرة أخرى في الاستفادة من هذا الوضع، تماماً كما فعلت خلال عهد جد كيم يونغ أون، وكيم إيل سونغ، الذي كان، باعتراف خصومه أنفسهم، بارعاً في انتزاع التنازلات من شركائه الأكثر تفوقاً اقتصادياً وعسكرياً. هذه ليست فرضية، إذا كانت أرقام كوريا الجنوبية صحيحة، فقد راكمت بيونغ يانغ عجزاً تجارياً يصل إلى قيمة مذهلة: 26.6 مليار دولار منذ عام 1990، وفق التقارير التجارية السنوية للتعاون الكوري من أجل الترويج للتجارة والاستثمار، ويعادل هذا 10 أضعاف حجم صادرات هذا البلد لعالم 2015 الذي يُعتبر ناجحاً نسبياً.حتى خلال الأوضاع المعقدة التي سادت النظام العالمي الأحادي القطب في العقود الثلاثة الماضية، تمكنت كوريا الشمالية من العثور على طرف مستعد ليسدد فواتيرها، ولنتخيل ما قد يحدث لو عاد دعم كوريا الشمالية (بغض النظر عن أنها قد تشكّل حليفاً صعباً) مسألة مبدأ بالنسبة إلى قوة عظمى، تماما كما كان قبل انهيار الاتحاد السوفياتي.علاوة على ذلك، ثمة أدلة على أن بيونغ يانغ نجحت في تخطي تهديد العقوبات الأميركية المتواصلة. حتى خلال لقاء ترامب وكيم الثالث، استمر العمل في محطة تخصيب اليورانيوم في مركز يونغبيون للأبحاث النووية العلمية، وفق "38 نورث".كذلك يؤكد محللو "38 نورث" بعد تفحصهم صوراً التقطتها أقمار اصطناعية في مطلع شهر يونيو عام 2019: "تواصلت عملية التجريف، ولاحظنا أيضاً إضافة مسلك مرتفع في مستهل هذه السنة في منشأة إنتاج النظائر المشعة يربط هذه المنشأة بمبنيين مجاورين لهما طابع صناعي".يضيف هؤلاء الخبراء: "ما زلنا نلاحظ نشاطاً حول مجمّع تخصيب اليورانيوم على صعيد الآليات، والمعدات، ودخول العمال وخروجهم، كذلك تُظهر الصور صهريجاً أبيض كبيراً متوقفاً عند الطرف الغربي للمجمّع من السادس عشر أو السابع عشر من فبراير لغاية صباح السابع والعشرين من مارس عام 2019". إذاً، لا تبدو، كوريا الشمالية في حالة يأس، وهذا يُضعف بالتأكيد فرص التوصل إلى صفقة تحد من برنامج كوريا الشمالية النووي.* «ديفيد آكس»
مصافحة ترامب لكيم تمنح الرئيس الكوري الشرعية دون أن تحقق أي تقدم لكبح لجام برنامج كوريا الشمالية النووي