بعد 7 أشهر من الأزمة السياسية، وقّع قادة الاحتجاج في السودان والمجلس العسكري الحاكم، أمس، بالأحرف الأولى وثيقة اتفاق سياسي تحدد أطر مؤسسات الحكم، وهو مطلب رئيس للمتظاهرين منذ إطاحة الرئيس عمر البشير في أبريل الماضي.وتخفف هذه الخطوة الكبيرة من المأزق السياسي في السودان، بعد أشهر من الاحتجاجات الحاشدة، التي بدأت ضد البشير واستمرت بعد إطاحة الجيش به، لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين.
ووقّع الطرفان "الإعلان السياسي" بعد محادثات مكثفة استمرت 10 ساعات في فندق فخم على النيل بالخرطوم لإنجاز التفاصيل الأخيرة، وهو جزء من الاتفاق السياسي بين الطرفين، ولا يزال متبقيا الاتفاق على الإعلان الدستوري.
لحظة تاريخية
وفي كلمة تلت توقيعه على الاتفاق، قال نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو: "هذه لحظة تاريخية، تفتح عهدا جديدا وواعدا من الشراكة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مع طلائع وقادة الثورة السودانية المجيدة وشركائنا في قوة الحرية والتغيير".من جهته، قال نائب رئيس حزب الأمة القومي إبراهيم الأمين: "هناك وثيقتان، الأولى الاتفاق السياسي، وتشمل هياكل الحكم، والثانية ملحق مكمل لها الوثيقة الدستورية". وتابع: "تم فجر اليوم إكمال التفاوض حول الوثيقة الأولى (وهي) الإعلان السياسي، وسيتم التوقيع عليها بالأحرف الأولى".مجلس مشترك
وهذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 5 الجاري، تم برعاية الاتحاد الإفريقي ووسطاء إثيوبيين بعد مفاوضات مكثفة بين قادة الاحتجاج والمجلس العسكري الحاكم. ويلحظ الاتفاق تشكيل مجلس عسكري مدني مشترك (مجلس سيادي) لقيادة المرحلة الانتقالية التي ستستمر 3 سنوات.ويتكون المجلس من 11 عضوا، 6 مدنيين من بينهم 5 من قوى الحرية والتغيير و5 عسكريين. وينص الاتفاق الجديد على أن يترأس العسكريون أولا الهيئة الانتقالية لـ21 شهراً، على أن تنتقل الرئاسة الى المدنيين لـ18 شهرا.وسيشرف المجلس على تشكيل حكومة مدنية انتقالية ستعمل لثلاث سنين، تجرى بعدها انتخابات عامة. وفيما يتعلق بمجلس الوزراء، فستختار قوى إعلان الحرية والتغيير رئيساً للحكومة سيختار بدوره عدداً من الوزراء لا يتجاوز العشرين، عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يختارهما العسكريون في المجلس السيادي.أما بشأن "المجلس التشريعي"، فقد اختلف الطرفان حول نسبة العضوية، واتفقا على المناقشة بشأنه في مجلس السيادة، وتشكيله في فترة لا تتجاوز 90 يومياً من تاريخ تشكيل مجلس السيادة.ولم تحدد وثيقة "الاتفاق السياسي" صلاحيات مجلس السيادة أو مجلس الوزراء، لكنها ذكرت أن الإعلان الدستوري المحتمل توقيعه الجمعة المقبلة سيحدد ذلك.مرسوم دستور
وقال وسيط الاتحاد الإفريقي محمد الحسن ولد لبات، في مؤتمر صحافي، "اتفق المجلس العسكري الانتقالي في السودان وقوى الحرية والتغيير على اتفاق كبير جدا يشكّل خطوة حاسمة في مسار التوافق الشامل بين القوتين"، معتبراً أنه "يفتح عهدا جديدا، ويسهل التربة للخطوة التالية، وهي دراسة وتنقيح والمصادقة على مرسوم دستور للمرحلة الانتقالية".وقال إبراهيم الأمين إن توقيع الوثيقة السياسية "يمثّل جزءا مصغرا من الاتفاق أما الوثيقة الثانية (الإعلان الدستوري) ففي الجلسة التالية الجمعة المقبلة".حصانة مطلقة
ومن المتوقع أن تتضمن جولة المباحثات المقبلة مناقشة مسألة "الحصانة المطلقة" لجنرالات المجلس العسكري الحاكم تجنبهم المحاسبة على أحداث العنف المرتبطة بالتظاهرات.وقبل بدء جلسة المفاوضات مساء أمس الأول، أكّد قياديون في حركة الاحتجاج رفضهم منح جنرالات الجيش "حصانة مطلقة".وقال القيادي أحمد الربيع، الذي وقّع الاتفاق بالنيابة عن المحتجين، "نرفض ذلك تماما". لكنّ الفريق أول شمس الدين كباشي قال إن "الحصانة ليست موضوع خلاف" بين الطرفين.مدنية مدنية
وخرج قادة المجلس العسكري من القاعة وسط هتافات الصحافيين وموظفي الفندق "مدنية مدنية"، أحد الشعارات والمطالب الرئيسية لحركة الاحتجاج.وعلى مقربة من مقر توقيع الاتفاق تجمّع نحو مئة شخص غالبيتهم نساء ملوّحين بإعلام السودان، وهاتفين "مدنية مدنية".وقال المبعوث والمفاوض الإثيوبي محمود دردير، والدموع في عينيه من شدة التأثر إنّ السودان "بلد عظيم وأصيل يجب أن يخرج من بوتقة الفقر والحصار، وسجل ما يسمى بالدول الراعية للإرهاب". وتابع: "هذا الشعب العظيم يستحق هذا اليوم التاريخي. هنيئا للسودان وهنيئا لإفريقيا".نصوص الوثيقة
وأقرت الوثيقة "عدم جواز ترشّح من شغل منصباً في مجلس السيادة أو مجلس الوزراء أو ولاة الولايات أو حكام الأقاليم في الانتخابات التي تلي الفترة الانتقالية مباشرة".ونصت الوثيقة على تشكيل لجنة مستقلة، بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، للتحقيق في أحداث فض الاعتصام أمام وزارة الدفاع في الثالث من يونيو الماضي، وغيرها من الأحداث. وأجازت اللجنة الوطنية طلب أي دعم إفريقي بشأن لجنة التحقيق "إذا اقتضت الحاجة لذلك".وشددت الوثيقة على قدسية مبدأ السيادة الوطنية ووحدة التراب والوحدة الوطنية للسودان بكل تنوعاته، وعلى ضرورة أن يتعامل الطرفان بمبدأ الشراكة وحسن النية، والكف عن الخطاب العدائي والاستفزازي.كما شددت على وضع السياسة والمنهج الفعال لتحقيق السلام الشامل في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بالتشاور مع الحركات المسلحة كافة، وأن يتم العمل على التوصل إلى عملية سلام شامل خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر من تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق.ونصت على ضرورة أن يعتمد مجلس الوزراء خطة اقتصادية ومالية وإنسانية عاجلة لمواجهة التحديات الناجمة عن الأوضاع الاقتصادية والمالية والإنسانية الراهنة.