أصبح كيرياكوس ميتسوتاكيس، الزعيم الليبرالي لحزب «الديمقراطية الجديدة» الوسطي اليميني، رئيس الوزراء اليوناني في 8 يوليو، غداة الانتخابات المبكرة يوم الأحد الماضي، حيث حصد 39.8 في المئة من الأصوات، وفي المقابل حصل حزب «سيريزا» الشعبوي الحاكم على 31.5 في المئة من الأصوات. يعطي النظام الانتخابي اليوناني 50 مقعداً إضافياً للحزب الذي يحصد أكبر عدد من الأصوات، وبالتالي فاز ميتسوتاكيس بأغلبية واضحة من 158 نائباً من أصل 300 مقعد في البرلمان الهيليني.تعهّد ميتسوتاكيس أن تسترجع الطبقة الوسطى مكانتها الطبيعية بعد أربع سنوات ونصف السنة على تولي حزب «سيريزا» الحكم، لكن رغم أغلبيته الواضحة في البرلمان لا تزال القوى الراديكالية والشعبوية ناشطة وحاضرة في المجلس التشريعي، فقد دخل حزب «الحل اليوناني» اليميني المتطرف الجديد إلى البرلمان، بعدما تجاوز العتبة الانتخابية اللازمة (3 في المئة) وحصد تسعة مقاعد، كذلك نجح حزب «جبهة العصيان الواقعي الأوروبي» اليساري الناشئ (أسسه وزير المالية السابق المستقل يانيس فاروفاكيس) في تخطّي تلك العتبة وفاز بعشرة مقاعد، ولا ننسى «الحزب الشيوعي اليوناني» الصارم الذي يتبنى أسلوباً سوفياتياً، ولا يزال حاضراً في البرلمان، فجمع هذه المرة 5.3 في المئة من الأصوات (15 نائباً)، وأخيراً حصد حزب الاشتراكيين القدامى الذي يحمل ميولاً مشابهة لحزب «سيريزا» واسمه اليوم «حركة التغيير» 8.1 في المئة من الأصوات (22 نائباً).
حصد الليبراليون والمحافظون (الديمقراطية الجديدة) نحو 40 في المئة من الأصوات وكسبوا أغلبية واضحة في البرلمان، إنه إنجاز لافت طبعاً لكن في ظل معارضة 60 في المئة من الناخبين لهم، لا مفر من أن يواجهوا المشاكل في المرحلة المقبلة نظراً إلى صعوبة عقد تحالفات مستدامة مع أحزاب أخرى في الوقت الراهن، وبسبب الأداء الانتخابي المُرْضِي على نحو مفاجئ لحزب «سيريزا»، تجنبت الحكومة الجديدة التي تسلمت مهامها في فترة بعد الظهر من يوم الثلاثاء الماضي الاحتفالات المفرطة حتى الآن.يستطيع ميتسوتاكيس أن يغتنم الفرصة ويمرر سريعاً مجموعة من التشريعات المهمة، ففي هذه الفترة الأولية، تبقى ردود الأفعال السلبية ضئيلة بشكل عام، ويجب أن تُعطى الأولوية للقوانين المتعلقة بالإصلاحات المؤسسية المُلحّة في ملفات الأمن والخصخصة والبيروقراطية المفرطة ومجالات أخرى ذات صلة، حيث يتعلق هدف عاجل بإنشاء بيئة مهنية أكثر إيجابية، نظراً إلى وجود إجماع اجتماعي واسع على تحرك مماثل، لكنّ الشيطان يكمن دوماً في التفاصيل!يبقى جذب استثمارات خارجية مباشرة عاملاً أساسياً، لكنها عملية بالغة التعقيد، ففي آخر 10 سنوات تضاءلت الاستثمارات في الاقتصاد اليوناني بدرجة هائلة، إذ تقتصر الاستثمارات نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي على 11 في المئة، وهو أسوأ معدل حتى الآن مقارنةً بجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ونتيجةً لذلك تراجعت الإنتاجية طوال سنوات وبقيت الأجور بمستويات متدنية لدرجة أنّ العائلات الجديدة تعجز عن إنجاب الأولاد أو عيش حياة عادية ولائقة، فقد أشارت التقديرات في السنة الماضية إلى انحسار النمو الاقتصادي بـ1.9 في المئة، وتوسّعت ظاهرة هجرة الأدمغة في السنوات العشر الأخيرة أيضاً، كذلك أدت هجرة العمّال الماهرين إلى تفاقم مشكلة الشيخوخة السكانية التي تترافق بدورها مع تداعيات مؤسفة على مستوى نظام الضمان الاجتماعي؛ لذا تحتاج الإدارة الجديدة إلى معالجة هذه المشاكل المتداخلة سريعاً، كونها تطرح معضلة معقدة وتنعكس سلباً على النمو.في غضون ذلك اجتمع وزراء المالية في منطقة اليورو بتاريخ 8 يوليو وأعلنوا أنهم يتطلعون إلى التعاون مع الإدارة الجديدة، لكنهم لفتوا إلى ضرورة أن تتمسك اليونان بالالتزامات التي تعهدت بها بعد خطة إنقاذها، وشدد رئيس الوزراء ميتسوتاكيس خلال حملته على ضرورة تمرير جميع القوانين الإصلاحية في المجلس، ويخطط في المرحلة المقبلة لزيارة بروكسل، وقد يطلب من الدائنين الرسميين تعديل خطة الإنقاذ التي تم الاتفاق عليها مع حكومة «سيريزا» السابقة. تنوي حكومة ميتسوتاكيس أن تطالب بتخفيض فائض الميزانية الأولي بين العامَين 2020 و2022، من 3.5 في المئة إلى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فمن خلال تقليص هذه القيود المالية من الأسهل تخفيض الضرائب العالية وتخفيف سياسة التقشف في هذه الظروف التي تتطلب التركيز على تسريع النمو. عملياً، يقترح ميتسوتاكيس شكلاً من التبادل على الشركاء والدائنين الأوروبيين: «أنا أقترح إصلاحات سريعة وأنتم خفّضوا الفائض المالي الأولي»!يحتاج ميتسوتاكيس إلى اتخاذ الخطوات التالية:• إطلاق مشاريع رائدة (تطوير عقار «هيلينيكون» ومجمّع التعدين «سكوريز» في شمال اليونان) بعدما بقيت عالقة لسنوات بسبب تدابير البيروقراطية المفرطة، وذلك نتيجة ردود الأفعال المحلية لأسباب بيئية.• اقتراح حل منهجي لإصلاح الميزانيات العمومية للبنوك، إذ تبقى معدلات التعرّض لضعف الأداء في البنوك اليونانية مرتفعة جداً وتصل إلى 45 في المئة من القروض الإجمالية.• عقد اتفاق مع «مؤسسة الطاقة العامة» التي توشك على الإفلاس وتفرض تكاليف اقتصادية هائلة تنعكس سلباً على القدرة التنافسية.• تغيير المقاربة المالية كي تزيد تركيزها على تسريع النمو وتحسين قطاع الأعمال: يمكن تحقيق هذا الهدف عبر تخفيض الضرائب والإنفاق العام بدرجة كبيرة، لكن بسبب المبالغ التي قدّمها حزب «سيريزا» الحاكم للناخبين قبل الانتخابات، لم تبقَ أي مساحة مالية كافية للإدارة الجديدة في عام 2019. الأسوأ من ذلك هو أن الحكومة السابقة شرّعت تقديم مبالغ مماثلة في العامَين 2020 و2021 أيضاً.لا مفر من أن تواجه الإدارة الجديدة مصاعب كثيرة في المرحلة المقبلة، لكنّ ميتسوتاكيس معروف بإدمانه على العمل وقدرته على تحقيق الإنجازات، وفي النهاية وحده الزمن كفيل بإثبات نجاحه!
دوليات
الانتخابات اليونانية... أول هزيمة للشعبوية في أوروبا
19-07-2019