على هامش دور الانعقاد العادي الثالث (2 من 2)
تناولت في مقالي الأحد الماضي تحت العنوان ذاته، المنظومة التشريعية التي تتلخص في كلمة وقلم، وتناولت كلمة رئيس المجلس الجامعة المانعة حول هذه المنظومة، والتي تتلخص في أن للأغلبية قرارها وللأقلية حقوقها، وأن العاصم من جموح الأغلبية البرلمانية والضمان الحقيقي للحقوق الدستورية هو رقابة المحكمة الدستورية، أما القلم فقد تناولت مقالاً للكاتب محمد الرويحل تحت عنوان "نائبنا أم نائب الأمة؟"، لأضيف إلى ما كتبه مفهوم المصلحة العامة في تطبيق المادة (6) من الدستور التي تنص على أن الأمة مصدر السلطات جميعاً، في "أولاً"... وأستكمل ذلك في هذا المقال. ثانياً – مفهوم المادة 108 للصالح العام
تنص المادة (108) من الدستور على أن "عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة، ولا سلطان لأي هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه". والواقع أن تمثيل النائب للأمة بأسرها، ورعايته لصالحها العام هما أحد أوجه ممارسة الأمة سيادتها التي تقررها المادة (6) السالفة الذكر، فيما تنص عليه من أن تكون ممارسة سيادة الأمة على الوجه المبين في الدستور. إلا أن الدستور حرصاً منه على تأكيد ذلك أورد المادة (108) بالنسبة إلى السلطة التشريعية باعتبارها سلطة منتخبة، وقد يكون لهيئة الناخبين تأثير على نواب الأمة، وهو ما تجري عليه الدساتير الحديثة كرد فعل لمورث نيابي تاريخي، كان النائب يحرر لناخبيه تعهداً مكتوباً بأن يلتزم بتعليماتهم، ولا يخرج عليها أبداً، فجاءت النصوص الدستورية المقررة لمبدأ سيادة الأمة لتحرر النائب من الخضوع لهيئة الناخبين في كل ما يمارسه من أعمال في المجلس ولجانه، مقررة في هذا السياق أن النائب يمثل الأمة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة.حيث يضيف د. ثروت بدوي في مرجعه السابق (النظم السياسية) أنه وفقاً لمبدأ سيادة الأمة فإن النائب يكون ممثلاً لها كلها، ولا يقتصر تمثيله على الدائرة الانتخابية التي انتخبته، فالنائب يعتبر وكيلاً عن الأمة في مجموعها وليس وكيلاً عن ناخبيه فقط، وبذلك يعمل في البرلمان على هذا الأساس دون نظر لمصالح ناخبيه خاضعاً لوحي ضميره سالكاً السبل لتحقيق الصالح العام، فلا يتقيد بتعليمات أو توجيهات من ناخبيه، ولا يخضع لهم في تصرفاته (المرجع السابق ص 212).وقد قضت المحكمة الدستورية في الكويت "بأن القانون يعتبر منهياً للتوافق في تحقيق التوازن في علاقات الأفراد بعضهم بالبعض وبأوضاع مجتمعهم والمصالح التي يتوخاها، إذا زاغ المشرع ببصره عن تحقيق ما يكفل إسهام أكبر عدد من بينهم لضمان أكثر المصالح والقيم الاجتماعية تعبيراً عن النبض الاجتماعى لإرادتهم ليكون القانون طريقاً لتوجههم الجماعي" (جلسة 4/6/2000 ق 21 لسنة 2 ق.د ). إلا أن عبارة المصلحة العامة قد تكون واسعة فضفاضة، فيندرج تحتها الكثير من البدائل، فيتدخل الدستور، في نطاق الصالح العام ليحدد أهدافاً للحقوق أو المراكز القانونية التي عهد إلى الدولة أو المشرع بتنظيمها، وفي هذه الحالة يتعين الالتزام بهذه الأهداف في تحقيق الصالح العام.وفى هذا السياق، يقرر القضاء الدستوري أنه إذا كان النص التشريعي مصادماً لأغراض التنظيم التشريعي التي تعكس مشروعية النص إطاراً للمصلحة العامة، بحيث يستحيل منطقياً ربطه بها أو اعتباره مدخلاً لها، فإن التمييز يكون تحكمياً وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومجافياً لنص الدستور.(جلسة 1/2/1992 ق3 لسنة 8ق المحكمة الدستورية ففي مصر).