نصار طقاطقة وعبدالرحمن شتيوي ونظام الأبارتهايد
![مصطفى البرغوثي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1564897822016822100/1564897879000/1280x960.jpg)
فإما أن سبب وفاته كان أمراً آخر يعود إلى عنف تعرض له، ولم يتم اكتشافه في التشريح، أو أنه تعرض لظروف صحية خطيرة، أدت إلى التهاب الرئتين، الذي لا يقتل عادة في عز الصيف شاباً بنيته متينة، ثم تعرض لإهمال طبي شديد حتى استشهد. وفي الحالتين فإن نصار طقاطقة أصبح الشهيد الفلسطيني العشرين بعد المئتين الذي راح ضحية قمع وتنكيل الاحتلال وسجونه. هناك ثلاثة أسباب موثقة ومعروفة لاستشهاد المائتين والعشرين شهيداً في السجون.الأول، هو التعذيب أثناء التحقيق كما حدث للشهداء عرفات جرادات، ومحمد يوسف الخواجا، ومحمد ذيب الدحدول.والثاني هو القتل العمد، إما بالضرب أو بإطلاق الرصاص، كما جرى للشهيد عزيز عويسات، وأحمد أبوعميرة.والثالث هو الإهمال الطبي الذي يعانيه حالياً ما لا يقل عن 750 مريضاً معرضين في كل لحظة للاستشهاد. وتشير إحصائيات منظمات حقوق الإنسان إلى أن 70 أسيراً استشهدوا جراء التعذيب، واثنين وسبعين أسيراً استشهدوا بسبب الإهمال الطبي، وواحداً وسبعين أسيراً أُعدموا عمداً مع سبق الإصرار بعد اعتقالهم والسيطرة عليهم، وسبعة أسرى استشهدوا نتيجة استخدام القوة المفرطة ضدهم أو إصابتهم بأعيرة نارية حية وهم محتجزون في السجون، وفي جميع الأحوال فإن حالات الاستشهاد تمثل مظهراً ساطعاً لمنظومة التمييز العنصري- الأبارتهايد ضد الفلسطينيين. أما قصة الطفل عبد الرحمن شتيوي، وعمره تسع سنوات من كفر قدوم فتمثل نموذجاً بشعاً آخر لآلية عمل التمييز العنصري الإسرائيلي، وما يمارسه جيشه من قمع ضد الفلسطينيين. جيش الاحتلال أطلق الرصاص الحي على الطفل عبد الرحمن وهو يلعب قرب أحد المنازل فأصابه إصابة خطيرة في رأسه، عقب مظاهرة سلمية جرت في القرية احتجاجاً على مصادرة أراضيها وإغلاق طرقها من قبل المستوطنين المستعمرين.استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين العزل جريمة لم يكن لها أي مبرر، إذ لم يتعرض أي جندي لأي خطر، وإطلاقه من قبل قناص إسرائيلي على طفل يلعب على بعد مئات الأمتار من المظاهرة، هو جريمة لا تغتفر، وإن كانت تثبت أن جيش الاحتلال لا يقيم وزناً لحياة الفلسطينيين كباراً كانوا أم أطفالاً. تخيلوا ما كان سيحدث في إسرائيل والعالم لو أن الطفل المصاب كان يهودياً أو حتى إثيوبيا، أما لأنه فلسطيني فلم يحرك أحد ساكناً في كيان يدعي أنه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ويصادق على ادعاءاته الكاذبة مبعوثو ترامب. كتب توماس فريدمان، الصحافي الأميركي اليهودي المعروف، والذي لا يمكن اتهامه بأنه منحاز ضد إسرائيل، مقالاً في جريدة نيويورك تايمز قال فيه: "إن اليمين الإسرائيلي لديه تصور بديل لحل الدولتين ولحل الدولة الواحدة القائمة على التساوي في الحقوق، وبديله هو السيطرة على الضفة الغربية دون منح حقوق متساوية للفلسطينيين"، أي أن بديل اليمين "هو نظام الأبارتهايد". وأشار فريدمان إلى أمر بالغ الخطورة، حيث يقول إن تكريس هذا النظام القائم على التمييز يمر عبر ما يسميه إخصاء "نظام إسرائيل القضائي والصحافة الحرة والمجتمع المدني".ويضيف فريدمان أن "فوز نتنياهو في الانتخابات سيعني تقويض حكم القانون لحماية السيطرة على الضفة الغربية"، وذلك ما سيضع كل يهودي في العالم أمام مواجهة الاختيار الأخلاقي حول إن كان يستطيع الاستمرار في دعم إسرائيل أم لا".استشهاد نصار طقاطقة، وإطلاق الرصاص الحي على رأس الطفل عبد الرحمن شتيوي، يقدمان الدليل القاطع على طبيعة نظام الأبارتهايد الإسرائيلي، والذي يفسر النمو المتصاعد لحركة المقاطعة (BDS) وكل أشكال التضامن العالمي مع فلسطين، بما في ذلك إعلان عضوات الكونغرس الأميركي إلهان عمر ورشيدة طليب تأييدهما لها، وتحديهما لمشاريع مكافحتها في الولايات المتحدة... وذلك ما لا تستطيع أن تخفيه، أو تخيفه، "صفقة القرن" وجميع اللوبيات الداعمة لإسرائيل. لن يكون عدل، ولا سلام، في هذه الأرض إلا بإنهاء نظام الأبارتهايد العنصري وكل مؤسساته.*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية