جاءت تصريحات رئيس مجلس الأمة بشأن الحل الجذري والشامل والعادل لقضية البدون دقيقة وعلى درجة كبيرة من الوضوح والشفافية والمصداقية، أولاً لأنها منسوبة إلى مقام صاحب السمو الأمير، حفظه الله، وثانياً لأن هذا الملف المتورم إلى حد الانفجار لم يعد يحتمل المزيد من التأخير، فلم تقتصر آثاره على الصعيد الداخلي سياسياً واجتماعياً وأمنياً، بل امتدت إلى المحافل الدولية بشكل يسيء إلى سمعة الكويت بشكل كبير، وهذا ما كان يحذر منه الكثير على مدى سنوات لكن دون آذان صاغية أو بُعد نظر حكيم.لعل من أسباب هذا الانفراج المرتقب والمأمول أن قضية "البدون" التي طوت أكثر من نصف قرن من التراكمات لم تعد مسألة جانبية أو معزولة، بل دخلت إلى عصب المجتمع الكويتي، وبات من مناصريها والمدافعين عن هموم ضحاياها، الكثير من أهل الكويت، وهم يمثلون أبناء الأسرة والعوائل ذات الجذور التاريخية، ورجال الدين والقانون والأكاديميين والإعلاميين وجمعيات حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين، إضافة إلى الجيل الشبابي من "البدون" أنفسهم، ولم تنجح الملاحقات والاعتقالات ومحاولات التشويه الإعلامي في صد هذا المد الذي غلب كل التحديات ووضع المسؤولين أمام الأمر الواقع.
عوداً إلى الحل الشامل، وبعد توجيه الشكر والتقدير إلى المقام السامي، فإن توجيهات سمو الأمير بلا شك تحمل الرغبة في حسم هذا الملف وتعطي الأمر لمباشرة الإجراءات التنفيذية في هذا الصدد، لكن التعاطي التاريخي مع القضية لا يبشر أبداً بكثير من التفاؤل، والإعلان عن خبر حسم الموضوع خلال الإجازة الصيفية يثير التساؤلات في حد ذاته، فهذا الحل الموعود بحاجة إلى تشريع يصادق عليه مجلس الأمة المعطل، لذا يخشى أن يتم تسريب بعض تفاصيله إيذاناً بتدخل المعارضين له وسعيهم إما إلى تأخيره أو تغيير مساره، الأمر الذي جرّب في العديد من المناسبات السابقة؟!ومما ترشّح من معلومات أولية بخصوص الحل تجنيس المستحقين من حملة إحصاء 1965، حيث تشير البيانات الحكومية المعلنة إلى أن هذه الشريحة يتجاوز عددها 35 ألف إنسان، في طليعتهم المنتسبون إلى القطاع العسكري وعمال شركة نفط الكويت منذ الخمسينيات وأصحاب المؤهلات العلمية العليا وأقرباء الكويتيين، لكن المعضلة التي وضعتها وزارة الداخلية والجهاز المركزي خلال السنوات الماضية أمام هذه الفئات هي القيود الأمنية بأشكالها المطاطة المختلفة، بالإضافة إلى ما يزعم بمؤشر الجنسية كخطوة استباقية لمنع تجنيس العديد منهم، ولتأكيد هذا المعنى يمكن للسادة النواب مراجعة وتفريغ محاضر اجتماعات لجنة البدون البرلمانية في مجلس 2009 وإعلانها للرأي العام، حيث من المحتمل أن تكون ملفات أخرى قد تم تلغيمها منذ ذلك التاريخ إلى الآن.كما أن الحقوق المدنية والإنسانية وحق التجنيس وفق معايير واضحة وشفافة بحاجة إلى تشريعات حتى تعطى صفة الإلزام وتبعد عن اجتهادات وتقديرات الأجهزة المشرفة على هذا الملف، الأمر الذي قد تعارضه الحكومة للإمساك بكل خيوط هذه المسألة تحت ذريعة السيادية.إذا تجلت الإرادة الأميرية ولم تستغل أو تترجم وفق مرئيات قانونية وذات بعد إنساني وحضاري وتنموي تكون أهم الفرص قد أهدرت، وقد تبقى القضية معلقة نصف قرن آخر، لذا نتمنى من أصحاب الشأن المهتمين بهذا الملف تشكيل جبهة وطنية قوية تواكب التحركات والإجراءات المقبلة للخروج بأفضل النتائج في هذه اللحظة التاريخية التي لا تعوّض!
مقالات
فرصة تاريخية... لكن بشرط!
23-07-2019