الاستثمار في الثروة البشرية
الله سبحانه وتعالي حبا البشر جميعاً ثروات كثيرة وعظيمة لتساعدهم على العيش الكريم ويكونوا بأمن وأمان، البعض استغل هذه الثروة وطورها واستفاد من هذه النعمة والبعض الآخر أساء استخدامها ولم يستفد منها، ولم يحاول أن يستثمرها. فالثروة لا تعني فقط الثروات الطبيعية من معادن وزراعة وفحم وبترول وغيرها، ولكن هناك ثروة وهبها الله للإنسان، وهي ثروة العقل والتفكير، لكي يدبر الناس أمورهم ويستغلوا الثروات الأخرى ويطوروها لتساعدهم في الحياة. كان لابد من هذه المقدمة لندخل في موضوع عنوان المقال "الاستثمار في الثروة البشرية"... هذه الثروة الكبيرة إذا استُخدمت وطورت وتم الاهتمام بها في دولة ما فسيشار إلى هذه الدولة بأنها متقدمة ومتطورة، أما إذا لم تستخدم الدولة هذه الثروة الاستخدام الأمثل فإنها تصنف على أنها من الدول المتخلفة، وعلى هذا الأساس صنفت الدول بين متطورة ومتخلفة. هناك أمثلة كثيرة لدول نهضت وتقدمت وأصبحت في مصاف الدول المتقدمة، منها على سبيل المثال سنغافورة التي كانت فقيرة الموارد، باستثناء الموارد البحرية من صيد الأسماك والملاحة لموقعها البحري فقط، لكن كانت لديها قيادة استثمرت الثروة البشرية وأحسنت استثمارها، فاتجهت أولاً إلى التعليم والرعاية الصحية ووضعت القوانين وطبقتها على الجميع بدون استثناء، وحاربت الفساد الذي كان مستشرياً فيها سابقاً، فوصلت إلى ما وصلت إليه حالياً.
مثال آخر للدول المتقدمة، اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، خرجت من هذه الحرب مدمرة مع اقتصاد ضعيف، فنهضت واستغلت ثروتها البشرية ونما اقتصادها وأصبحت من طليعة الدول المتقدمة، إلى جانب أمثلة أخرى كثيرة لمثل تلك الدول التي استغلت ثروتها البشرية. ولنتحدث عن بلدنا الحبيب، الكويت، الذي حباه الله بنعمة الذهب الأسود، البترول، الذي لا يستغني عنه العالم في كثير من المجالات، وهذه نعمة من الله، جاءت بعد حياة الفقر التي عاشها أجدادنا، وكان الاعتماد فيها على ما يجلبه البحر والتجارة مع الدول الأخرى؛ فالكويت تستطيع أن تطور مواردها ولا تعتمد على النفط فقط، وذلك بالاستثمار في ثروتها البشرية المتمثلة في رجالها ونسائها، لاسيما مع تطور العلوم والتقنية وسهولة الاتصال والمواصلات مع الدول الأخرى بأن تهتم بتلك الثروة البشرية وتطورها مع تشجيع الباحثين والموهوبين وتقديم كل أنواع المساعدة لهم للنهوض بالكويت ووضع القوانين التي تشجع البحث العلمي والعلماء لتنفيذ المشاريع المهمة التي تنهض بالاقتصاد الذي لا يعتمد على النفط فقط، وكذلك مكافأة المخلصين وأصحاب النزاهة، وفي المقابل معاقبة غير المخلصين لبلدهم أو الذين يغويهم الشيطان بالاستيلاء على المال العام أو الذين يغرقون في الفساد ولا يحترمون القوانين. ويلاحظ في السنوات التي تلت تحرير الكويت من الاحتلال العراقي أن نسبة الفساد أخذت تتزايد في جميع المجالات، ورغم أن هناك قوانين وتشريعات تحارب هؤلاء المفسدين والفاسدين عديمي الذمة والضمير فإن الكويت في حاجة إلى المزيد من التشريعات لملاحقة المختلسين والفاسدين ومطاردتهم، لاسيما الذين هربوا إلى الخارج مع أموال الشعب المسروقة، مع ضرورة أن تكون العقوبات رادعة لكل من تسول له نفسه خيانة بلده وسرقة أموال الشعب، ولا شك أن هناك جهوداً وإجراءات اتخذت يشكر عليها القضاء والنيابة العامة والجهات الأخرى المختصة لبعض الحالات المتعلقة بملاحقة الفاسدين، وأتمنى أن تثمر هذه الجهود في المستقبل. ولكي تصبح الكويت ضمن الدول المتقدمة أكرر أن الاهتمام بالثروة البشرية بالإضافة إلى تطبيق القوانين على الجميع واحترام هذه القوانين، إلى جانب تشجيع المخلصين ومكافأتهم ومحاربة الفاسدين والمفسدين، مما يؤدي في النهاية إلى أن تصبح الكويت من الدول المتقدمة بإذن الله تعالى.