هل هناك احتجاجات صيفية جديدة في العراق؟
في المواسم الصيفية من السنوات القليلة الماضية، نزل العراقيون إلى الشوارع للاحتجاج، إذ يتزامن الحر الشديد دوماً مع تصاعد استيائهم من عجز الحكومة عن تأمين الخدمات الأساسية وفرص العمل، حصلت تلك التظاهرات بشكلٍ أساسي في جنوب العراق وبغداد، حيث يتم احتواء أعمال العنف نسبياً منذ سنوات.لكن احتجاجات البصرة في الصيف الماضي أدت إلى تغيير ديناميات هذه التحركات الشعبية؛ فعلى عكس السنوات السابقة، نظّم المحتجون مسيرة ضد جميع الأطياف السياسية العراقية، بما في ذلك الجماعات شبه العسكرية المدعومة من الدولة والشيعية في معظمها، أي "وحدات الحشد الشعبي" التي كانت تُعتبر سابقاً قوة مقدسة في البصرة لتحرير العراق من تنظيم "الدولة الإسلامية". يأتي ثلث المقاتلين في هذه الوحدات تقريباً من البصرة. وعلى عكس ما حصل في السنوات السابقة، عارض المتظاهرون في عام 2018 دعوات رجل الدين الشيعي الشعبوي مقتدى الصدر الذي أيّد حركة الاحتجاج في الماضي لكنه يشارك الآن في تشكيل الحكومة، بعدما فاز تحالفه السياسي في الانتخابات البرلمانية لعام 2018. زاد الوضع سوءاً لأن تحرك المحتجين اتخذ منحى عنيفاً، فاحترقت مكاتب الأحزاب السياسية وقُتِل 23 متظاهراً على الأقل خلال اشتباكات مع قوى الأمن.كانت أعمال العنف كفيلة بإنهاء الاحتجاجات، لكنها غيرت طبيعتها أيضاً عبر تأجيج عامل الخوف. من جهة، يجب أن يقرر المحتجون الآن مدى استعدادهم للمجازفة بحياتهم والنزول إلى الشوارع، ومن جهة أخرى، ينبغي أن تقرر الأحزاب السياسية النافذة والجماعات المسلحة نطاق العنف المسموح به لقمع المتظاهرين.
مع اقتراب هذا الصيف، حاولت الحكومة الجديدة، التي لا تزال غير مكتملة رغم انتخابها في الخريف الماضي، كبح أي اضطرابات إضافية عبر التعهد بتطبيق الإصلاحات، لكن عملياً، بقي تنفيذ الوعود بطيئاً في الحكومة الجديدة والمجلس التشريعي الجديد، كذلك، بدا رئيس الوزراء عادل عبد المهدي سياسياً مألوفاً، مع أنه تعهد بأن يكون مختلفاً، فركّز على استرضاء الخصوم السياسيين في بغداد وتوزيع الحصص الوطنية على النخبة الحاكمة الاعتيادية. وفي الشهر الماضي، بعد مرور أكثر من سنة على الانتخابات، تمكن عبد المهدي أخيراً من تعيين وزيرَي دفاع وداخلية، لكنه لم يعيّن حتى الآن وزيراً للعدل، ويقتصر عدد النساء في حكومته على امرأة واحدة. باختصار، تكثر الوقائع التي أجّجت الاحتجاجات في مواسم الصيف السابقة، ولا تزال على حالها اليوم.تتعلق مشكلة سياسية بارزة أخرى بإصلاح القطاع الأمني وتحديد مصير "وحدات الحشد الشعبي"، إذ تنشط هذه الشبكة شبه العسكرية كمنظمة داعمة لخمسين مجموعة فرعية تقريباً منذ نشوئها رسمياً في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي عام 2014، بعد انهيار الجيش العراقي أمام "الدولة الإسلامية". لكن الناشطين في المجتمع المدني عبّروا خلال السنة الماضية عن قلقهم من إقدام بعض الجماعات المسلحة فيها على إطلاق النار على المحتجين وقتلهم في الشوارع. كذلك، لام الناشطون الجهة نفسها على سلسلة اغتيالات استهدفت ناشطين من المجتمع المدني، لا سيما النساء، في وسط العراق وجنوبه. يعترف زعماء "وحدات الحشد الشعبي"، بقيادة أبومهدي المهندس، بوجود فصائل سيئة داخل المنظمة وضرورة التعامل معها، ويسعى المهندس منذ فترة إلى ترسيخ مكانة المنظمة تمهيداً لحصر قيادتها ضمن سلطة واحدة.ورداً على مخاوف الرأي العام من "وحدات الحشد الشعبي"، أصدر رئيس الوزراء عبد المهدي مرسوماً في أول يوليو لدمج هذه الجماعات شبه العسكرية رسمياً في الدولة. يحاول المهندس من جهته التعاون مع عبدالمهدي ومكتبه لتوحيد السلطة، وقد وصل عبد المهدي إلى منصبه بدعمٍ من الكتلة السياسية التابعة لـ"وحدات الحشد الشعبي"، أي "تحالف الفتح". ومنذ ذلك الحين، يتعاون المهندس مع موظفين حكوميين لاكتساب النفوذ داخل الحكومة، لذا ينعكس المرسوم الجديد إيجاباً على خطة المهندس، حتى لو أصبحت منظمة "وحدات الحشد الشعبي" ظاهرياً خاضعة لسيطرة الدولة مباشرةً. أمام هذا الواقع، لا يؤمن عدد كبير من العراقيين بقدرة الحكومة الجديدة، أو استعدادها، لمحاربة الفساد أو إصلاح القطاع الأمني، بما أن عبد المهدي لا يزال يُعتبر شخصية ضعيفة مقارنةً بمختلف الأحزاب السياسية التي جعلته رئيساً للحكومة، لكن هل سينزل العراقيون إلى الشارع مجدداً للاحتجاج، أم أنّ أعمال العنف في السنة الماضية أخافتهم لدرجة أن تردعهم هذه السنة؟ لا يزال هذا السؤال عالقاً منذ اضطرابات الصيف الماضي. صرّح ناشطون، من البصرة إلى الموصل، بأنهم يخشون اليوم طريقة تعامل القوات شبه العسكرية التي تعترف بها الدولة مع التظاهرات، لكن رغم هذه المخاوف، يظن بعضهم أن الاحتجاجات هي الطريقة الوحيدة لإسماع صوت الشعب!* ريناد منصور* «وورلد بوليتيكس ريفيو»