الوقت ليس رحماً حاضناً للأمل
الوقت ليس رحما حاضنا للأمل، الوقت فقط مجرد صالة انتظار، رجاء أن يولد لنا بعد الصبر ما كنا نرتجيه، أياً كان ما نرتجيه، وهو لا يعِدُنا مطلقا بخاتمة من أي نوع، ولا الصبر كذلك، فعبارة "الصبر مفتاح الفرج" ليست سوى أنشودة نهدهد بها الوقت كي ينام قليلا، بدل أن نراقبه يمر قطعاً من الجمر بين أيدينا، وجملة "الزمن كفيل بحل كل شيء"، والتي نضعها فوق اللسان، هي حبة مخدر مؤقتة للتخفيف من ثقل الانتظار، لا تجدي نفعاً، ولا تذهب بأس الاحتمالات، ولا تبعد عنا شبح بؤسها.مثل هذه العبارات التي نملأ بها صدورنا كالسعال المزمن ليست سوى متكأ مريح لعجزنا عن فعل شيء، ومناخ ملائم لقلة حيلتنا للتنفس في الهواء الطلق، وكل الأحاديث عن الصبر، والتي نضمد بها يأسنا ليست ضمانة كافية لنيل مرادنا والحصول على ما نشتهي، فالوقت والصبر يمنحان الإحساس بأننا نملك ورقة النصيب الرابحة، وهما في الحقيقة ليسا سوى وهم محلّى نطعمه آمالنا لتكف عن النباح، فلو بقينا العمر ممسكين بهاتين الورقتين وحدهما ولا شيء سواهما، فلن يحدث شيء أكثر من ضياع العمر سدى، بانتظار الذي يأتي ولا يأتي. إنهما طريقان أجردان خاليان من الشجر وأي من مظاهر الحياة، يلزمنا قبل المرور بهما أن نكون غرسنا ما نؤمل أن نجده بانتطارنا في نهايتهما، فالوقت والصبر عاملان ضروريان ربما لإنضاج ما نزرع لكي نجني ثمره بمرور الوقت؛ طال الزمن أم قصر، لكننا لن نجني ثمر شيء لم نزرعه في الأصل مهما مرَّ الوقت أو طال الصبر، فالذين صبروا لحصد بذور لم تزرع على أمل أن يقطفوا جناها لم يجدوا في قبضة أيديهم سوى الهواء، ولم يحصلوا على شيء سوى خيبة الرجاء، وذهبت أمانيهم أدراج الرياح، ولم يبل صبرهم لهاة آمالهم الجافة بقطرة ماء.
لم تغب عن أذهاننا يوما الحكمة القائلة إن "من زرع حصد"، ولكي يأتي ما نزرع أُكلَه لابد أن يمر عبر معصرة الزمن وغربال الوقت اللذين سيمنحان ما قد زرعناه النضج حتى يحين موسم الحصاد، هنا فقط يكون لكل أمثالنا، وكل ما ورثناه من حكمة الصبر وجمال نهايته، معنى وقيمة تعطينا الحق في المطالبة بمكافأتنا في آخر الأمر.