علة البلد وأزمته، في جوهرها، تكمن في الحكومة، فالحقيقة المرة والمؤلمة هي أننا نعيش دون وجود حكومة حقيقية، فمن هم في مواقع مسؤولية الحكومة ووزراؤها عبارة عن شخصيات هلامية أو انتهازية أو مصلحية أو موظفين أو تكملة عدد، منذ فترة طويلة، غايتهم تحقيق مصالحهم الخاصة أو البقاء في "وظيفة" وزير أطول فترة من الزمن، أو الاثنان معاً، بلا قيمة مضافة، وبلا إنجاز، وبلا رؤية أو عمل وطني جاد وحقيقي. وهم لذلك أعجز من أن يحملوا مسؤولية وطن، فهم خليط متناثر من الأشخاص الذين لا نجاحات لهم، ولا قدرات ولا إنجازات، فهم غالباً شخصيات غير مؤهلة ولا تعرف كيف تدير! ولا كيف تقرر! ولا متى تصلح وتغير! كل منهم جُبل على نمط سلوكي محدد، هو سلوك الموظف المأمور الذي همه الحفاظ على "وظيفته" بإرضاء أي من مسؤوليه، بل وكل من يتعامل معهم، وخصوصاً أعضاء مجلس الأمة؛ عملهم عمل الكتبة الذين يذهبون لمكاتبهم ليمسكوا السجلات ويدونوا البيانات، فتجد لديهم فوضى الملفات ورتابة تحويل الأوراق أو إهمالها، فلا قيمة لعملهم ولا أهمية لوجودهم، غيابهم جميعاً -أو بعضهم- في كل الوقت أو بعض الوقت، سيان، فهم صور وأشكال من الكتبة العابرين، ممن لا أثر لهم ولا أهمية لوجودهم، وحملهم على البلد والناس مرهق ومكلف.الفساد يعيش بين مكاتبهم وفي قاعات اجتماعاتهم، وينخر من حولهم، وهم متفرجون عاجزون، إن لم يكونوا شركاء ورعاة.
القرار لديهم ارتجالي انفعالي، خاوي المضمون، مدمر للبلد، مغطٍّ للفشل ومغذٍّ للفساد، وبجعجعة إعلامية صاخبة.تولوا الوزارات واستمروا بالمسؤوليات، والبلد بسببهم وبإدارتهم الخالية من القرار الحاسم والحزم اللازم والموضوعية المنجزة؛ من تراجع إلى آخر، وكل موضوعاته وقضاياه ومشاكله معلقة، بل كل منها يفضي إلى مشكلة أسوأ.مجلس الوزراء فاقد لدوره المحدد دستورياً، وتحول إلى ديوانية لتبادل الأخبار ونقل الهموم وتدوين المحاضر، بدلاً من الهيمنة على شؤون البلد ورسم سياسته ووضع خططه وإنجازها، فضاعت مؤسسية مجلس الوزراء وريادته ودوره القيادي في تسيير أمور البلد، وصارت غاية وزرائه تأكيد علاقاتهم مع أعضاء مجلس الأمة، وتحييدهم بطرق وأساليب دمرت عمل الحكومة ومؤسساتها وأجهزتها وعجلت بشيخوختها وعجزها، بل وربما فسادها.الحكومة لدينا موجودة رسماً وشكلاً وأشخاصاً وهياكل وبعض المحاضر الهزيلة، الحكومة لدينا في حقيقتها غائبة منذ فترة طويلة، ولذا فإن الأسئلة الملحة والمتكررة التي يرددها الكويتيون: "لماذا يتأخر البلد ويتقهقر يوماً تلو الآخر؟ ومشاكله، على صغره وغناه وأسبقيته، بلا حلول وبتراكم مخيف؟ أين من هم في مواقع الحكومة والقرار؟ لماذا كلما أعيد تشكيل الحكومة زاد الإحباط والفشل؟ أليست حال البلد واضحة وأموره معروفة للعيان؟ هل يغيب كل ذلك عن الحكومة؟".الجواب، وبكل أسف شديد، هو أن لدينا حكومة وهْم غائبة، وحكومة كهذه لا تبني وطناً!
أخر كلام
حكومة الوهم لا تبني وطناً
25-07-2019