● ماذا يعني الشعر بالنسبة إليك؟
- لا أرى ذاتي خارج فضاء الشعر. لقد كابدت كثيراً لأجله، عنيت به، لأكتبه، ثم انشغلت عن ذلك بأن أعنى بنتاج بعض من يكتبونه، وراق لي هذا الاحتراق، إذ ما رأيت أن استمرارية من أعنى بهم بالكتابة، في صميم عالمه، أي ما يخلق في نفسي: التوازن الروحي، الجمالي، لأشكك -إلى حين بافتراضي هذا- لاسيما أمام من يريدون إثبات ذواتهم بقتل من يتوهمونه أباً، وما أكثر الأمثلة هنا! لقد ابتعدت عن عالم كتابة الشعر وممارسته، تحديداً، لأعود إليه الآن، وأنا أحس، فجأة، أنني كبرت! وأن على الشاعر المبدع أن يكون أنانياً، وتربيتي البيتية وتربيتي الفكرية كانتا تدفعاني إلى أن أكون غيرياً، بعكس محرك الشعر الذاتي، الفردي ولن أشعر أني أنجزت في حياتي الإبداعية ما أروم، إن لم تكن هناك قصيدة تشفع لي على صراط -دورة الزمن- قصيدة تبدو للمعني كعلامة كأثر، كمرجع، لتتصادى في النفس، وإلا فكل ما كتبته غير مجد باختصار، ان أكتب الشعر يعني لي أني لم أزل حياً، وألا خوف على حياتي.● روايتك الأولى "شارع الحرية" هل هي أصداء لسيرتك الذاتية؟
- سؤالكم هذا يطرح إشكالاً حقيقياً في روايتي "شارع الحرية"، فقد حاولت ألا أكتبه وفق شرط روائي مسبق، لأنني لا أروم من هذا النص أن يكون معداً ليكون مسلسلاً تلفزيونياً، أو فيلماً معلباً، ولا أعني الحديث عن إمكان تحول ذلك إلى هذا الشكل أو ذاك، وفق رؤى فنية حداثية. حين كتبت هذه الرواية لم أخفْ سواطير بعض المتوهمين أنهم سدنة النقد، وكنت أعلم أنني قد أستفز الذائقة المتكلسة، إلا أن هذا العمل لقي اهتماماً من لدن جمهرات قرائية متفاوتة، من حيث إمكاناتها، ورؤاها، وانفتح الباب المشروع على الاستخدام الجديد لبعض الأدوات ممكنة التوظيف في الرواية، والمسبوق إلى استخدامها من قبل غيري، وإن كنت أريد أن أتفاعل معها، على طريقتي، أجل، وظفت السيرة الذاتية، إلى جانب المذكرة، والصورة الفوتوكبية للوثيقة، ما جعل بعضهم يرى أنه أمام سيرة ناص، وإن تشابه اسم الراوي مع اسم الروائي لا يعني أنهما واحد، ومن هنا، فإن هناك ما قد يطابق سيرتي ونشأتي، بيد أن هناك ما هو غارق في الخيال، وهنا الرواية التي أنا بصدد إنتاجها.● "ممحاة المسافة" هل تعد بمنزلة الجزء الأول ما يعني أننا ربما نرى أجزاء أخرى مستقبلاً؟
- لم لا تكتب سيرتك؟ قالها صديق لي، ثم راح يعد إلي أسئلته التي لم أجب عنها بعد في ظل مشروع السيرة مجرد فكرة، وثمة أنثى ظهرت في حياتي كما جنيّة أقدحت أصابعها شعلة مقدسة، بعد أن ذوت ألهبتي، ثم اختفت، وقالت: تعال نعكس آية شهرزاد وشهريار، احك لي وأسمعك، وكانت سيرة المئة ليلة وليلة التي رحت أعتصر حبرها بين يديها، وهي تنتظرني إلى الفجر، لا تنام من دون أن تقرأني، لتقول لي: لقد أكملت عليك كتابي، وآن أن أعود إلى الحبرة، فكرة، وحلماً. ثمة طفولة ضائعة، حاولت أن أدونها، آلمني أن هناك من رحل بُعيد طباعة الكتاب في القاهرة، قبل أن يقرأه. كانت الممحاة سيرة قرية، بديلة عن رواية، كانت سيرتي شقيقي في الحليب خضر سلفيج قرأها، وكتب كلمة الغلاف، وثمة طاقة عظيمة كانت آنذاك دفعتني إلى الكتابة لم يكن هناك عامل واحد وراء ذلك، ويقول د. محمود عباس: إنها أهم أعمالك السردية، وهناك ما أشير إليه، وهو أن كل ما كتبته عبارة عن وقائع، ولكنني لو لم أكتبها في تلك المرحلة تحديداً لما استطعت أن أكتبها ثانية، فالكتاب يذكرني بي وثمة ما نسيته وربما الذاكرة تتهدم، بحكم حرائق النوستالجيا. ربما الأمكنة تتهدم وربما الأرواح الملهمة توارت، وما عادت تتمكن من التواصل معي بلغة منفاي، وأسئلته المؤرقة الشديدة وما كتبته نتف من الطفولة، وامتداداتها ونتف من السيرة وخطوط رئيسة وكنت قد خططت لأواصل مدونة السيرة: جزءاً تلو جزء، وما تبقى لي من حياة لا يكفي لأدون سيرتي، ولقد كبرت فجأة، وقبل المنفى، كنت أظنني طفلاً مرايا المكان الجديد، قالت لي: لا، لقد شخت، وتوهنت قواك روحك تبخر حبرك، وإن كانت ثمة أنثى لم تزل تمدني بأوكسجين وأكسير سحريين يرممان خرائبي، لتقول: هو ذا حبك هو ذا حبرك نفسه! "تل أفندي" جديرة بأن يكتب عنها جيل كامل من الكتاب خضر سلفيج الأكاديمي والمدرس الجامعي في بلغاريا، ومدير القسم العربي في إذاعة صوفيا، وابن القرية، قادر أن يكتب عن ماكوندونا (نسبة إلى مدينة ماكوندو الأسطورية التي كتب عنها ماركيز)، وثمة جيل جديد، أثق به، وأنتظر نتاجه، قبل أن يرحل جميع أبطال ذلك المكان الاستثنائي في روحي!.المناطق الكردية
* روايتك الثانية "شنكالنامه" رصدت معاناة الأسيرات الإيزيديات، هل استفدت منها؟
- أجل، هناك جزء مما تعرض له الإيزيديون في المناطق الكردية في سورية، من انتهاكات على أيدي الراديكاليين والنصرة و"داعش"، سواء أكان في عفرين أو في رأس العين ومتابعتنا لها توثيقياً شكل مدخلاً للرواية، إلا أن منطقة سنجار ليست بعيدة عن مهادي، فقد كنت في طفولتي في "تل أفندي" أستيقظ كل صباح وأرى تموجات ظلال جبال شنكال. الجودي، كما جبلي عبدالعزيز وكوكب كما تل القرية، والمكان كان معروفاً بتكوينه، ومكونه والجرح كان قريباً، ما أدى بي لتتبع أثره، منذ أول صرخة إيزيدية، فكانت تلبية الحبر، مع أثر صدمة النبأ عميقاً في الذات ومصادر المعلومات كانت متعددة.سنوات الغربة
بات لدي هاجس، فحواه ألا أجد في الوطن ما أستطيع تناوله، بعد أن باتت مزالق سنوات الغربة تهيمن على كل شيء، إلا أن معاينتي لدرجة تفاعلي مع الأمكنة الجديدة تجعلني أطمئن، بأن علاقتي بكل مكان جديد واهية وكل الأمكنة، في نظري، إلى الآن مجرد فندق في منفى، ولربما زنزانة، وما يحدث أن القامشلي تغيرت و80 في المئة من أهلها هجروا، وباتت ملامح مكان جديد ترتسم، كما أريد له من قبل هؤلاء الذين خططوا لإزالة حضور ابن المكان الأصيل، من هناك، وهو ما تم حقاً.وكتبت رواية جديدة عن الغربة، لكنني لاحظت أن أي حديث عن الغربة، هو امتداد لوطن في عمق المخيلة، أي أنني حتى إن كتبتني في منفاي، فلا خلاص من بين قبضة "وطن" في الداخل، وفي الدم وطن ليس بعيداً، بعكس مكان أعيش فيه، ولم يستطع بعد أن يعيش فيَّ!.