ازدادت كراهية المهاجرين لمواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب حدة بعد أن أطلق سلسلة من تغريداته في الآونة الأخيرة، وكان ترامب تعهد في حملاته الرئاسية في عام 2016 ببناء جدار حول جنوب الولايات المتحدة وترحيل كل المهاجرين غير الشرعيين من بلاده والحد من الهجرة الشرعية أيضاً. ويتعين على الرئيس ترامب اليوم الوفاء ببعض وعوده المتشددة، ولكن ليس ثمة شك في أن ادارته قد جعلت أمن الحدود والهجرة من أقصى أولويات حفظ النظام.وتجدر الاشارة الى أن الرئيس الأميركي ولفترة قصيرة بعد انتخابه أسهم في ردع المهاجرين المحتملين بسبب لهجته العدائية التي أسفرت عن أدنى معدلات الهجرة عبر الحدود الجنوبية الغربية في 40 عاماً، ولكن تلك السياسة لم تؤثر مدة طويلة، وفي شتاء عام 2018 بدأت أعداد المهاجرين بالارتفاع من جديد – وكان أن ازدادت عمليات الاعتقال نتيجة لذلك بصورة دراماتيكية وبلغت 133 ألفاً في مايو الماضي.
ما السبب وراء هذا التحول؟ أحد العوامل ربما كان ما تحدث الرئيس ترامب عنه في اشارته الى «الغزو» على الحدود، والعامل الآخر المتمثل في أن المهاجرين المحتملين الذين قرروا تأجيل خططهم للسفر بعد فوز ترامب في انتخابات الرئاسة وجدوا أنه على الرغم من حملاته على الهجرة فإن الأفضل المسارعة الى التحرك قبل أن يحصل ما هو أسوأ.
سوء معاملة المهاجرين
سوء معاملة الادارة الأميركية للمهاجرين ليس سراً، وصور الأطفال في أقفاص انتشرت في شتى أنحاء العالم، اضافة الى روايات تحدثت عن موت مهاجرين في مراكز الاحتجاز في الولايات المتحدة وأنباء عن ظروف مروعة في البعض من المنشآت الحكومية، ولكن الرسالة التي طغت على كل تلك السلبيات كانت تلك التي انتشرت على نطاق واسع وأكدت أن أسواق العمل الأميركية هي الأقوى منذ عقود من الزمن، وأنه حتى المهاجر غير الشرعي يستطيع العثور على عمل بسهولة وهي رسالة نقلها المهاجر الى رفاقه في بلاده.لاتزال أعداد المهاجرين القادمين عن طريق الحدود من خارج أميركا الوسطى تشكل أقلية ولكنها بدأت بالازدياد بسرعة، وخلال تسعة أشهر من هذه السنة المالية تمكنت دوريات الحدود من اعتقال 53 ألف مهاجر من خارج المكسيك والسلفادور وغواتيمالا أو هندوراس، وهو عدد يزيد عن 20 ألف مهاجر في عام 2018 كله، وعن 10 آلاف في العام الذي سبقه، وكان 45 في المئة من اولئك المهاجرين من آسيا وإفريقيا وأنحاء اخرى من العالم يسافرون على شكل عائلات، وقد ارتفع العدد عن أقل من عشرة في المئة قبل عدة سنوات، ما يعكس الاتجاه التصاعدي في دول أميركا الوسطى. وفي عام 2018 أيضاً كانت الدول التي قدم منها مهاجرون هي الهند ونيكاراغوا والبرازيل والاكوادور وبنغلادش، وشكلت الهند وحدها حوالي 9 آلاف عملية اعتقال.العثور على طرق جديدة
كان أحد الاتجاهات المفاجئة بقدر كبير في هذه السنة هو الازدياد الكبير في عدد القادمين من الدول الإفريقية الى الحدود الأميركية – المكسيكية. وفي العام الماضي تم اعتقال 225 مواطناً إفريقياً فقط هناك على الرغم من قدوم المئات غيرهم طلباً للجوء عبر الحدود الرسمية، ولكن العدد ارتفع في هذه السنة الى أكثر من 700 تم اعتقالهم عند نقطة عبور واحدة في دل ريو في ولاية تكساس. وكان معظمهم من جمهورية الكونغو الديمقراطية أو أنغولا وقد تمكنوا من شق طريقهم الى سان أنطونيو أو بورتلاند حيث ترحب المدينتان بالأفارقة مع توفير الطعام والمأوى وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية لهم، وقد اضطرت السلطات المحلية هناك الى اتخاذ اجراءات احتياطية من أجل التأكد من عدم وجود حالات اصابة بوباء ايبولا بينهم.ويمثل المهاجرون الجانب المؤثر في الاتجاه الذي يحتمل أن يطغى على مسار السياسة الأميركية في السنوات المقبلة، ومعروف أن معدلات الولادة في الدول الأفريقية هي الأعلى في العالم وأن دخل الفرد فيها هو الأدنى كما أن حكوماتها هي الأقل استقراراً، ويتوقع خبراء النمو السكاني أن تطرح إفريقيا نتيجة الزيادة السريعة في عدد السكان ومعدلات الفقر العالية أكبر نسبة من المهاجرين الدوليين وبشكل يتجاوز أي قارة اخرى في العقود المقبلة.النزاعات الداخلية
وقد أسفرت النزاعات السياسية الداخلية في جنوب السودان وشمال نيجيريا وبوروندي عن تهجير الملايين من السكان في السنوات القليلة الماضية، وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تم تهجير أكثر من 4.5 ملايين نسمة حتى اليوم (300 ألف منهم في الشهر الماضي) اضافة الى حملات القمع والاضطهاد الرسمية والنزاعات العرقية وعدم الاستقرار السياسي توجد إمكانية لطرح عدد مماثل من المهاجرين الدوليين مع استمرار النزاعات في الشرق الأوسط وإفريقيا الوسطى.وحتى مع بقاء أكثرية المهاجرين الأفارقة في دول مجاورة يسعى المزيد منهم إلى مغادرة القارة السمراء، وقد توجه مئات الآلاف الى ألمانيا والسويد ودول أوروبية اخرى خلال ذروة هجرة اللاجئين الى أوروبا في 2015 – 2016 ولكن طريقهم الرئيسي عبر البحر الأبيض المتوسط توقف نتيجة السياسات الأوروبية التي هدفت الى منع عبور القوارب اضافة الى زيادة العنف وغياب الأمن في شمال أفريقيا وخاصة في ليبيا التي كانت مصدر الانطلاق الأكبر للمهاجرين. ومع توقف ذلك الخط توجه اهتمام المهاجرين الى مناطق اخرى بما فيها الولايات المتحدة. وفي الولايات المتحدة أفضى تسلم دونالد ترامب السلطة الى خفض معدلات الهجرة بأكثر من الثلثين وخاصة الى مدن مثل هيوستن ومينيابوليس ونيويورك حيث ارتفعت وتيرة قدوم المهاجرين في السنوات الأخيرة. واختار عدد بارز من المهاجرين الأفارقة لأول مرة القيام برحلات طويلة ومكلفة عن طريق أميركا الجنوبية والوسطى والمكسيك للوصول الى الولايات المتحدة ويقال أن الكثير منهم دفع آلاف الدولارات من أجل السفر الى البرازيل والاكوادور والبيرو حيث يصبح بامكانهم السفر الى السلفادور أو هندوراس والالتحاق بمن سبقهم.الأزمة العالمية
تشير التقديرات الراهنة إلى أنه من غير المتحمل أن تقل وتيرة تدفق المهاجرين من إفريقيا وآسيا على الحدود الأميركية - المكسيكية في وقت قريب، ويتعرض العالم لأكبر أزمة هجرة انسانية يشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، كما أن معظم المهجرين يعيشون في قارتي آسيا وإفريقيا، وكانت الولايات المتحدة حتى وقت قريب محمية من ذلك الضغط بحكم موقعها الجغرافي، ولكن مع عثور المهاجرين على طرق جديدة قد تتغير تلك الصورة عما قريب. ويضاف إلى ذلك أن عدد المهاجرين الذين سوف يختارون تلك الرحلة الطويلة في السنوات المقبلة سوف يتوقف على السياسات الأميركية والإقليمية، وإذا استمرت ادارة الرئيس ترامب في سياستها الحالية فإن المزيد من المهاجرين سوف يتدفقون على الحدود الجنوبية للبلاد على الأرجح، ولكن اذا خففت واشنطن لهجتها وتوجهت نحو اصلاح نظام اللجوء الأميركي والتعاون مع حكومات المكسيك وأميركا الوسطى فستتمكن من السيطرة بشكل أفضل على الهجرة في ذلك الجزء من العالم. وفي مؤشر مشجع انخفض معدل اعتقال المهاجرين غير الشرعيين الاجمالي عبر الحدود الأميركية – المكسيكية بحوالي 30 في المئة خلال شهر يونيو الماضي بعد أن عززت المكسيك قواتها الأمنية على حدودها الجنوبية مع غواتيمالا وعبر خطوط التهريب التقليدية في شتى أنحاء البلاد.وفي غضون ذلك يتعين على الولايات المتحدة التعاون مع الدول الثرية من أجل الاستثمار في نوعية أفضل من الحوكمة والأمن والتنمية الاقتصادية في مناطق مثل أميركا الوسطى وإفريقيا الوسطى، كما أن التراجع عن تقديم المساعدات الانسانية والتنموية في تلك المناطق يهدد بمضاعفة عوامل الهجرة التي أفرزت المستويات المتصاعدة من اللجوء. وإذا استمرت واشنطن في اتباع استراتيجية «اعملوا بمفردكم» بدلاً من التعاون فإنها سوف تدفع ثمناً أعلى وتعرض المهاجرين أنفسهم لتحمل تكلفة أكبر.راندي كابس*