في السابع والثامن من يوليو الجاري شارك وفد موسع من ممثلي المجتمع الأفغاني في ندوة حوار حول أفغانستان مع مجموعة من حركة طالبان، وكانت هذه المحادثات التي جرت في العاصمة القطرية الدوحة ونظمتها أيضاً الدولة الخليجية وألمانيا المرة الأولى التي تشارك فيها مثل هذه المجموعة المتنوعة بشكل رسمي في حوار مع ممثلي حركة طالبان، وقد تألف الوفد الأفغاني من حوالي 50 عضواً يمثلون مختلف شرائح المجتمع الأفغاني، بمن فيهم نشطاء من المجتمع المدني، اضافة الى صحافيين وممثلين عن الأحزاب السياسية وعدة ممثلين يعملون مع ادارة الرئيس الأفغاني أشرف غني. وتجدر الاشارة الى أن عدداً كبيراً من المشاركين كان من النساء تلبية لطلب صدر عن الكثير من المواطنين في أفغانستان والمجتمع الدولي على حد سواء في أن تتمكن النساء من التعامل مع حركة طالبان. وعلى أي حال فقد حضر الجميع بصفتهم الشخصية لا نيابة عن المنظمات السياسية التي ينتمون اليها، وبذلك تمكنت حركة طالبان من الاجتماع مع ممثلي الحكومة الأفغانية من دون التعامل بشكل رسمي مع الحكومة التي رفضت الحركة منذ زمن طويل التعامل معها.
ومما لا شك فيه أن هذه الندوة التي أطلق عليها اسم «المؤتمر الشامل للسلام في أفغانستان» كانت إنجازاً في سياق الجهود الجارية والهادفة إلى حل النزاع الأفغاني بين حركة طالبان والحكومة المنتخبة بصورة ديمقراطية، ومنذ خريف عام 2018 شاركت الولايات المتحدة في 7 جولات من المفاوضات مع «طالبان» من أجل الوصول الى اجماع على انهاء الحرب في أفغانستان، والتي مزقت ذلك البلد طوال 18 سنة حتى الآن.
العملية السلمية المحدودة
وعلى الرغم من كل ذلك كانت المشاركة المباشرة في العملية السلمية بين مواطنين أفغان وقادة حركة طالبان محدودة للغاية، وفي الواقع فقد اقتصرت على جولتين عقدتا في موسكو بين خصوم سياسيين للرئيس الأفغاني أشرف غني وزعماء حركة طالبان. وقد تم عقد الجولتين في العاصمة الروسية في شهري فبراير ومايو من هذه السنة وانتهى الحوار من دون تحقيق أي تقدم جوهري نحو الهدف المنشود المتمثل في انهاء القتال واحلال السلم. وحتى هذه النقطة أسفرت كل الجهود الرامية الى انجاز تقدم من نوع ما في هذا المسار والجمع بين الأطراف المتصارعة في المأزق الأفغاني عن فشل مؤكد واضح بشكل صارخ، وذلك بسبب النزاعات الداخلية السياسية في البلاد.وفي حقيقة الأمر جرت في شهر أبريل محاولة مماثلة من أجل عقد حوار أفغاني شامل ولكنها انتهت أيضاً الى فشل ذريع في اللحظة الأخيرة نتيجة الخلافات بين الأطراف المشاركة بشأن حجم وتشكيل الوفد الأفغاني.الاتهامات المعطلة
وقد أفضت هذه المحاولات الفاشلة الرامية الى اشراك حركة طالبان في العملية السلمية الى قلق ومخاوف وحتى اتهامات بالتآمر من أجل تقويض تلك الجهود. وكانت في البعض منها منطقية بما في ذلك القول إن الولايات المتحدة سوف تسرع في نهاية المطاف الى عقد اتفاق مع قادة حركة طالبان من أجل سحب القوات الأميركية من أفغانستان من دون اهتمام ازاء الاحتفاظ بالمكاسب التي تحققت خلال الـ 18 سنة الماضية. وقوبلت الاتهامات الاخرى بموجة من الغضب وأفضت الى اتهام الممثل الأميركي الخاص الى جهود المصالحة في أفغانستان زالماي خليل زاد بأنه كان يتعمد استبعاد الأفغان من المحادثات حتى يتمكن في نهاية المطاف أن يصبح رئيساً لأفغانستان. وعلى الرغم من ذلك يمكن تجاهل البعض من تلك الاتهامات المتعلقة بالحوار في العاصمة القطرية في 7 و8 من هذا الشهر ولو بصورة مؤقتة على الأقل. وقد تمكن الطرفان خلال تلك المحادثات من اثارة مخاوفهما المباشرة ازاء قضايا مثل حقوق المرأة في الانتخاب ودور الشريعة الاسلامية في حكم أفغانستان. كما تمكن الطرفان من التوصل الى اتفاق حول اصدار اعلان مبادئ في ختام الحوار حدد مواقفهما ازاء طائفة واسعة من القضايا.الموقف الرسمي الأفغاني
وقد تمثل الجانب الأكثر أهمية في أن الوفد الأفغاني كان موحداً في المطالبة من حركة طالبان، وهو الأمر الذي لاحظه خالد نور، وهو ناشط من ذوي النفوذ من إقليم بلخ في شمال أفغانستان، والذي شارك أيضاً في محادثات موسكو في شهر مايو الماضي. وفي معرض تعليقه على تلك المحادثات قال خالد نور إننا «كلنا على اتفاق ازاء ما يتعين علينا طلبه من حركة طالبان، وهو الحفاظ على نظام الحكم الحالي ووجود جمهورية». واللافت أن المحادثات التي جرت في العاصمة القطرية الدوحة كانت المرة الأولى التي تطرح فيها هذه المسألة بصورة مباشرة مع حركة طالبان. وتحكم أفغانستان في الوقت الراهن بنظام جمهوري دستوري يتم وفقه انتخاب الحكومة بصورة ديمقراطية كما يتضح من اسم البلاد وهو جمهورية أفغانستان الاسلامية، فيما تعتقد حركة طالبان أن أفغانستان يجب أن تحكم وفقاً لنظام ملكي مثل امارة اسلامية. وخلال فترة سيطرة حركة طالبان على أفغانستان في العقد الأخير من القرن العشرين عمدت طالبان الى اعادة تسمية البلاد لتصبح امارة أفغانستان الاسلامية كما أنها أصرت على أن ذلك هو الاسم الذي سوف تقبل به فقط في أي تسوية سلمية. وكانت هذه القضية مركز تفكير الكثير من الأفغان الذين يقيمون النظام الديمقراطي في الحوكمة. وقد تعزز هذا القلق من خلال اعلان الولايات المتحدة الواضح أن نظام الحكم مسألة تقررها صورة مباشرة المحادثات بين الأفغان وحركة طالبان وليس بين واشنطن والميليشيات.ومما لا شك فيه أن النقاش بين الوفد الأفغاني وحركة طالبان حول هذه القضية سوف يشكل قلقاً للجميع. وقد أشار خالد نور الذي شارك في هذه المحادثات الى أنه طلب من ممثل حركة طالبان بصورة مباشرة توضيح ما اذا كانت الحركة سوف تدعم قيام جمهورية واجراء انتخابات أم لا «نظراً لأن النظام كما هو اليوم يجب أن يتغير، وهل تقبل الحركة بأن تكون جزءاً من نظام ديمقراطي، وأن تشارك في انتخابات أم لا»؟ ولم يكن مفاجئاً أن حركة طالبان رفضت أن تجيب بصورة مباشرة على هذا السؤال وحاولت باستمرار التهرب منه وعدم الرد عليه. وفي حقيقة الأمر فإن ذلك ترك الشعب الأفغاني أمام المزيد من الأسئلة وليس الأجوبة فيما يتعلق برغبة حركة طالبان بالمشاركة في نظام حكم ديمقراطي.السؤال الآخر
السؤال الآخر الذي ينتظر الاجابة عليه هو موقف حركة طالبان من حرية الصحافة وحقوق الصحافيين وهو مهم بشكل خاص، لأن الحركة أصدرت قبل عدة أسابيع فقط أمراً يدعو الى مهاجمة وسائل الاعلام الكبرى في أفغانستان، وقد اثيرت هذه القضية في ندوة الدوحة بصورة مباشرة. وأشار خالد نور الى أن «الصورة محيرة ومربكة الى حد ما ولكنها مقلقة الى حد كبير لأن حركة طالبان تدعي أنها تدعم الصحافيين وحرية الصحافة ولكنها هددت في الآونة الأخيرة بمهاجمة وسائل الاعلام التي تنشر أنباء ضد الجهاديين». وأضاف: «وعندئذ طرحت عليهم بصورة مباشرة السؤال حول الأمر الذي أصدرته الحركة بمهاجمة رجال الاعلام، وقد زعمت الحركة أن ذلك كان يتعلق بالدعايات والاعلانات التي تدعو الى قتل المشاركين في تلك الأعمال... ولكني لم أصدق ذلك».وباختصار يمكن القول إن مؤتمر الدوحة كان خطوة في الاتجاه الصحيح من دون شك، ولكنه لم يسهم في تعزيز أي توقع سوى أنه بداية لعملية طويلة، وخاصة بعد اتفاق الولايات المتحدة وحركة طالبان حول التموضع العسكري والأمن، ما يعني أن على الحكومة الأفغانية الدخول في مفاوضات مباشرة مع حركة طالبان حول مستقبل البلاد، ولكن خالد نور يرى أن العملية السلمية سوف تحتاج الى سنوات كي تتحقق.● ماكسويل بون*