تعيش منطقة "كوم الدكة" حالة من الشهرة بسبب الاكتشاف التاريخي فيها، إذ تزخر مدينة الإسكندرية المصرية بالعديد من الآثار المهمة، من بينها قلعة قايتباي الشهيرة المطلة على شاطئ البحر المتوسط، لكن الأضواء سُلطت على "مدينة الثغر" قبل أيام مع إعلان وزارة الآثار المصرية اكتشافاً أثرياً جديداً يقع في منطقة "كوم الدكة"، إذ نجحت بعثة أثرية مصرية بولندية في الكشف خلال موسم حفائرها بالمنطقة عن بقايا جزء كبير من مدينة أثرية ترجع للفترة ما بين القرنين الرابع والسابع بعد الميلاد، ومجموعة من الفسيفساء الرومانية تغطي أرضية أحد المنازل.
البعثة البولندية
وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري، في بيان أمس، إن الكشف جاء بواسطة البعثة الأثرية المصرية البولندية التابعة للمركز البولندي لآثار البحر الأبيض المتوسط لجامعة "وارسو"، التي تعمل في منطقة آثار كوم الدكة خلال موسم حفائرها في المنطقة.وأوضح وزيري، أن منطقة كوم الدكة في الإسكندرية تشهد مرة أخرى مشهداً جديداً لفسيفساء رومانية متعددة الألوان، مما يؤكد انتشار فن الفسيفساء في مدينة الإسكندرية، إضافة إلى ثراء سكان هذه المنازل، لافتاً إلى أنه تم عرض الفسيفسائية المكتشفة في فيلا الطيور بكوم الدكة، والذي يعد أول متحف لأرضيات الفسيفساء في مصر.بقايا مسرح
من جانبه، أوضح رئيس قطاع الآثار المصرية بالوزارة، أيمن عشماوي، أن المدينة المكتشفة تضم بقايا مسرح صغير، وحماماً إمبراطورياً كبيراً، ومجموعة فريدة من 22 قاعة محاضرات، والتي يرجح أنها بقايا جامعة قديمة.يُشار إلى أن البعثة الأثرية البولندية تعمل في الموقع الموجود في قلب المدينة القديمة منذ عام 1960 بالتعاون مع وزارة الآثار المصرية، وتركزت أعمال الحفائر في السنوات الأخيرة على دراسة العمارة السكنية التي لا تزال مجهولة نوعاً ما في الإسكندرية الرومانية من القرن الأول وحتى القرن الثالث بعد الميلاد، ومباني تلك الفترة كانت غالباً مزينة ببذخ، والكشف الأخير خير دليل على ذلك.بؤرة أثرية
و"كوم الدكة" هي إحدى مناطق الإسكندرية التاريخية، تعلو تلاً يرتفع عن منسوب البحر نحو عشرة أمتار، في منطقة متوسطة بين المناطق السياحية الأثرية والمحاور التجارية لوسط المدينة، ويعتبر هذا الحي العتيق بؤرة المنطقة الأثرية في الإسكندرية، ولايزال إلى اليوم مليئاً بالحفريات والآثار، وربما يكون من بينها قبر الإسكندر الأكبر نفسه، كما استُعملت المنطقة مقبرة في العصرين اليوناني والروماني وعصر المماليك.أريكة الإسكندر
وأعاد الاكتشاف الجديد الحديث عن أسطورة غريبة عن ضاحية "كوم الدكة" يتداولها أهالي الإسكندرية نقلاً عن أسلافهم، تقول إن الإسكندر الأكبر كان يجلس على أريكة (دِكة بالعامية المصرية) مصنوعة من الذهب ومطعمة بالألماس والياقوت والجواهر النفيسة، وعندما قرَّر القيام بإحدى حملاته العسكرية خارج البلاد خشي على الأريكة من السرقة، فجاء بأحد المهندسين وكلفه ببناء غرفة تحت الأرض وضع فيها الأريكة ثم قام بقتل المهندس الذي يعرف السر، كي لا يكون هناك من يعرف مكان الأريكة غيره، وأمر بردم المكان كله دون أن يضع فيه ما يشير إلى مكان الأريكة النفيسة المدفونة. ولم يعد الإسكندر الأكبر إلى الإسكندرية. مات في تلك الغزوة التي كانت آخر غزواته، وظل مكان الأريكة مجهولاً، لكنه اشتهر باسم "كوم الدكة".المسرح الروماني
تزخر منطقة كوم الدكة بالعديد من آثار الإسكندرية القديمة، أشهرها المسرح الروماني، وهو أحد آثار العصر الروماني، وشُيد في بداية القرن الرابع الميلادي.واكتُشف المبنى بالصدفة، أثناء إزالة التراب للبحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر بواسطة البعثة البولندية عام 1960، ووقتذاك أطلق عليه الأثريون اسم المسرح الروماني لوجود درج رخامي فيه، لكن ثار جدل كبير حول وظيفة هذا المبنى الأثري، الذي استغرق التنقيب عنه نحو 30 عاماً.وفي وقت لاحق، واصلت البعثة البولندية بحثها بالاشتراك مع جامعة الإسكندرية إلى أن تم اكتشاف بعض قاعات للدراسة بجوار هذا المدرج في فبراير 2004، مما غيَّر الاتجاه القائل بأن المدرج الروماني هو مسرح، بل ربما كان يستخدم كقاعة محاضرات للطلاب، واستخدم كمسرح في الاحتفالات.