قّيمت مجموعة من الاقتصاديين حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً ومطالبته منظمة التجارة العالمية بتغيير تصنيف مجموعة دول أعضاء، بينها الكويت، من "نامية" وهي غنية إلى "متقدمة"، مهدداً باتخاذ إجراءات أحادية الجانب تجاهها حال عدم حدوث ذلك، بأنه ذو تأثير بسيط اقتصادياً على الكويت.واتفق الاقتصاديون في تصريحات متفرقة لـ "الجريدة" على أن ترامب هو المتضرر الأكبر، إذ تستثمر الكويت في أميركا بجميع القطاعات، بما فيها الأصول العقارية والسندات والسلع الأميركية، في حين لا تصدر السلع إليها بشكل كبير.
وطالب هؤلاء مجموعة الدول المعنية باتخاذ موقف حيال تصريحات ترامب، وبمواجهة أي إعادة تصنيف غير مستندة إلى أسس علمية وموضوعية، خصوصاً أن دخل الدول الغنية المتقدمة يعتمد على إنتاج حقيقي متجدد، فيما يعتمد دخل الكويت والدول الخليجية على أصل غير متجدد ولا مستدام بل هو أصل ناضب يتمثل في النفط والغاز الطبيعي.وكان ترامب ذكر في وثيقة، تتعلق بما ورد آنفاً، بأن 7 من أغنى اقتصادات في العالم، تقاس بإجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد عند تعادل القوة الشرائية - بروناي، هونغ كونغ، الكويت، ماكاو، قطر، سنغافورة، والإمارات، تصف نفسها بـ"النامية" رغم أنها "غنية"، فضلاً عن المكسيك وكوريا الجنوبية وتركيا تطالب أيضاً بهذا الوضع.
مجرد خزنة
فمن جهته، قال رئيس مجلس إدارة شركة "الشال" للاستشارات جاسم السعدون، إن الأثر بالمنطق يقول، إن ترامب هو المتضرر الأكبر لأننا نحن من يستثمر في سنداته وفي الأصول العقارية والأسهم وغيرها، كما أننا مستوردون لكل الخدمات والسلع الأميركية، ونصدر فقط مواد الخام.ورأى السعدون، "إن استطعنا أن نقف ونقول أن هذا لن يحدث، ونقوم بإجراءات ففي المقابل سيكون هو المتضرر"، مشيراً إلى أن قرار ترامب يشمل مجموعة من الدول يبلغ معدل نصيب الدخل من الناتج الإجمالي فيها مستوى قريباً من ذات المعدل في الدول المتقدمة.وأوضح أن ترامب يعتقد بأن هذه الدول "تحصل على امتيازات ويصنفها ضمن الدول المتقدمة وأنها لا تستحق امتيازات في صادراتها أو وارداتها إن كانت مصنفة، وعلينا ألا ندفع لهم... فهم أغنياء".وذكر السعدون أن مسألة تحديد: هل هو مستحق أم لا ؟ يفترض حيالها أن يكون هناك تصنيف أكثر ذكاء، أما أن تبيع دول مادة خام وتحصل على عائدات فهذا ليس ناتجاً إنما هو بيع أصل والحصول على مقابل، بالتالي هي بدونه دول فقيرة، مشيراً إلى أن الدول التي لا تستحق امتيازات هي الدول التي يبلغ فيها نصيب الفرد مستوى عالياً لكن من اقتصاد مستدام متنوع الإنتاج سواء كان خدمياً أو سلعياً، لكن لا ينطبق ذلك على دول تبيع نفطاً أو غازاً وفي النهاية تحصل على الأموال، وهذا يرفع اجتماعياً مستوى نصيب الفرد، لكن باعتباره غير مستدام فلا يعتبر هذا غنى، وإنما هو غنى مؤقت، لكنه "أي ترامب" في النهاية تحدث عن كل دولنا وأنها مجرد "خزنة" نتعامل معها على هذا الأساس ومتى ما احتجنا الأموال نأخذ منها، وهذا ليس عملاً سياسياً ولا اقتصادياً.وبين أنه بعد مهلة الـ 90 يوماً سيتخذ "أي ترامب" إجراءات، متسائلاً:"هل ستتخذ تلك الدول موقفاً موحداً في محاولة لرد العقوبة عليه؟ لأنه في النهاية مصدر ومستورد لأموالنا، فهو مصدر للسلع والخدمات إلينا، بالتالي هو من يفترض أن يتضرر، وهل "نحن على استعداد للتعامل معه كما عامله الصينيون والكوريون بشكل متوازن؟ فهم يعرفون ماذا يريدون.منظمات متخصصة
من جانبه عقب د. عباس المجرن أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت على قرار الرئيس الأميركي بتصنيف الكويت دولة متقدمة، بقوله إن أي إعادة تصنيف للدول يجب أن تكون متوافقة مع ما تقرره المنظمات المتخصصة التابعة لهيئة الأمم المتحدة، وألا تصدر عن إدارة حكومية بذاتها.وأضاف د. المجرن، أن إعادة تصنيف بعض الدول "غنية" لا "نامية" سيترتب عليها فرض أعباء وتكاليف وتعهدات إضافية على الدول المعنية المعاد تصنيفها. فباعتبارها أصبحت دولاً غنية لا نامية ستفقد هذه الدول عدداً من المزايا والمعاملات التفضيلية والتسهيلات والإعفاءات التي تحظى بها البلدان النامية، مثل تلك التي توفرها لها اتفاقيات مؤتمرات "الأونكتاد" ومنظمة التجارة العالمية، واتفاق التصدي لظاهرة تغير المناخ العالمي، وغير ذلك من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.وأوضح أن ذلك سيؤدي إلى إلزام هذه الدول بزيادة مساهماتها واشتراكاتها في المنظمات الدولية والإقليمية، وعلى سبيل المثال تدفع الكويت حالياً التزاماتها في 118 منظمة منها 61 منظمة دولية و20 إقليمية و10 إسلامية و27 عربية، كما سيترتب على ذلك إلزام الدول المعاد تصنيفها بدفع مساعدات موازية لمساعدات الدول المتقدمة إلى البلدان المنخفضة النمو. وذكر أن الكويت والبلدان المعنية مطالبة بمواجهة أي إعادة لتصنيفها غير مستندة إلى أسس علمية وموضوعية، خصوصاً أن دخل الدول الغنية المتقدمة يعتمد على إنتاج حقيقي متجدد، بينما يعتمد دخل دولة مثل الكويت والدول الخليجية على أصل غير متجدد ولا مستدام بل هو أصل ناضب يتمثل في النفط والغاز الطبيعي الذي لابد أن ينضب مستقبلاً أو يفقد أهميته الاقتصادية بفعل التحول إلى البدائل. من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي عبدالمجيد الشطي، إن أثر مطالبة ترامب تلك على الكويت من الممكن أن يكون طفيفاً، مبيناً أنه عند النظر إلى الكويت فلا توجد صاردات كبيرة إلى أميركا يمكن فرض رسوم جمركية عليها، كما أننا لا نصدر سلعة النفط كثيراً لأميركا باستثناء قطاع البتروكيماويات.وأضاف الشطي، أن الكويت لا تستفيد من أي رسوم جمركية مفضلة من أميركا حالياً، لكن المشكلة أن ترامب لا يتحدث عن أميركا فقط، بل عن إلغاء ميزة الكويت من دولة نامية وتصنيفها دولة متقدمة في منظمة التجارة العالمية، بالتالي، إن كانت لدى الكويت أي مزايا مع الدول الأخرى باعتبارها دولة نامية فمن الممكن أن تفقدها بسبب مطالب ترامب.وبين أن ميزة الدول النامية هي أنها تستطيع تصدير صادراتها إلى الدول الأخرى المتقدمة مثل أميركا وأوروبا برسوم جمركية أقل، وهو ما يمكن أن يؤثر بشكل طفيف، لكن الكويت دولة علاقاتها جداً ممتازة وهي لا تستفيد من الميزات الجمركية لصادراتها، كما أن حجم الصناعة ليس كبيراً، ولا توجد صادرات كثيرة فالقطاع الصناعي نسبته للناتج المحلي قليلة جداً إذا تحدثنا عن الصناعات غير المتعلقة بالنفط.وبين أن ذلك لن يؤثر على حركة الصادرات والواردات بالحد الكبير، فتغيير القواعد سيأخذ وقتاً طويلاً حتى الاجتماع بمنظمة التجارة العالمية، علماً أن ترامب طلب أن تتم العملية خلال 90 يوماً وإبلاغه بما تم فعله؟إيجابي وسلبي وبسيط
بدوره، قال رئيس مجلس إدارة شركة "النمش" العالمية علي النمش، إن مطالبة ترامب لها أثر، وتحمل جانبين إيجابي وسلبي، لكن في المجمل العام فإن التأثير سيكون بسيطاً.وذكر النمش أن الأثر الإيجابي المعنوي أننا سنكون من مصاف الدول التي يمكن التفاوض معها بشكل أفضل، ولن نكون فعلاً دولة نامية بل غنية ومتقدمة، مبيناً أن ترامب ينظر لك كدولة متطورة وذات استدامة وتنمية شاملة وتطوير كامل وبنى تحتية وقوانين تساعد على الاستثمار وحوافز تشجيعية للمستثمرين.وأضاف أنه فعلياً تلك الحوافز ليست موجودة لدينا داخلياً، وما زلنا دولة نامية، لكن بنظر دول العالم العكس، إذ لدينا النفط، ونعتبر دولة غنية، ولديها فوائض وصندوق سيادي، وهو ما لم نستغله لسوء الإدارة الحكومية.وبين أن مطالبات ترامب من المنظور الدولي تعتبر صحيحة، أما من المنظور الداخلي ومستوى الخدمات في الكويت فهي غير صحيحة، إذ لا نعتبر من الدول الغنية بل أقل من الدول النامية، وأما الأثر السلبي فهو فقدان الميزة التفضيلية وبعض الدعومات السياسية، التي كنا نحصل عليها لا المالية فقط في حال إقرار أي قانون أو إعفاءات لمصلحة الدول النامية الذي كنا سنأخذه من المميزات التفضيلية سنفقده والدعم للتجارة والسلع والصادرات والإعفاء من الرسوم الجمركية وتسهيل عملها وتقديم الدعم المادي.السلطان: على الكويت التحوط لذلك بتنويع تجارتها مع دول عدة
قال مستشار شركة «أرزاق كابيتال» صلاح السلطان، إن مطالب ترامب بتغيير تصنيف الكويت ودول أخرى من دول نامية ومعاملتها كأنها دول غنية أو متقدمة، تأثيره ليس بالمستوى الكبير، بل سيكون طفيفاً على الاقتصاد الكويتي.وأضاف السلطان أن القرار من جانب آخر ليس من مصلحة الكويت، إذ ستكون هناك قيود وضرائب أكثر على منتجات عدة، مستطرداً أن التأثير سيكون بسيطاً، فصادراتها إلى أميركا ليست كبيرة، وحجم الصادرات ليس بالمستوى الذي سينجم عنه تأثير مؤثر.ونبه إلى أن الكويت يجب أن تتحوط من هذه القرارات المستقبلية عبر تنويع تجارتها مع الدول المختلفة وفتح أسواق جديدة.