الهوة الثقافية الحضارية: الخليج نموذجاً
![د. عبدالحميد الأنصاري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928789945225900/1555928807000/1280x960.jpg)
تغيرت الحياة الخليجية رغداً واستهلاكاً مفرطاً وهدراً للثروة والنعم، شيء واحد استعصى على التغيير هو الثقافة المجتمعية. مازال الخليج يفتقد «العقلانية» نمطاً في التفكير، و«الرشد» في حل أزماته وإصلاح فساد ذات البين، ولا أدل على ذلك من استمرار الأزمة الخليجية التي تتصاعد سخونة يوماً بعد يوم. القيم الثقافية الخليجية، مازالت تتغذى وترتوي من معين لا ينضب، من قيم وروح «الفزعة القبلية» الموروثة من أعراف ما قبل الدولة الحديثة، فالسلطة «أحادية» النزعة، لا تقبل المشاركة العامة، وهي «زجرية» في سلوكها تجاه المثقف المستقل، لا تقبل منه إلا أن يكون بوقاً صداحاً أشبه بشاعر القبيلة في النظام القبلي القديم، مادحاً للذات وهاجياً للآخر المخالف، ومازالت المواطنة مفهوماً نظرياً لا ترجمة له على أرض الواقع، تحولت إلى نوع من الولاء للعشيرة والطائفة، المرأة المواطنة تعيش مواطنة منتقصة، محرومة من حقوق ينعم بها الرجل المواطن، لا تستطيع منح جنسيتها لأولادها، مازال قطاع عريض من المواطنين محرومين من امتيازات يتمتع بها المواطنون الأصليون، قطاع عريض من «البدون» في المجتمعات الخليجية يعيشون حياة بائسة ويعانون أوضاعاً محبطة وصلت إلى حد انتحار أحدهم، هذه أوضاع مخجلة في عالم قد تجاوز هذه المواريث، وبقي الخليج يقتات عليها متحدياً روح العصر والمواثيق الحقوقية الدولية التي وقعها وصادق عليها، لا يليق بالخليج وأهله، وقد أنعم المولى عليهم بنعمه الواسعة، وآمنهم من الخوف، أن تستمر مثل هذه الأوضاع المأساوية بينهم! أولى بالخليج أن يبادر إلى تصحيح أوضاعه، وإنصاف المظلومين بيده، قبل يد عمرو.أخيراً: إلى متى يظل الخليج يتحدى العصر، ويرفض التغيير السياسي والثقافي والاجتماعي؟! إلى متى يعيش وضعاً متناقضاً، بوجه خارجي حداثي وآخر داخلي ماضوي، دساتير دوله وإعلامها تتغنى بالحريات وحقوق الإنسان وتشريعاتها وممارساتها تقوم على التمايزات، أو كما في تغريدة الأستاذ أحمد الأنصاري: دساتيرها عامرة بالقيم الإنسانية والحقوق لتواجه بها أحرار العالم عند الحديث عن القيم، بينما تأتي قوانينها اللاحقة لتنسف تلك الواجهة المدلسة؟! * كاتب قطري