تيسير النجار: الكاتب لا يستطيع الانفصال عن بيئته
نالت جائزة يوسف زيدان لإبداعات الشباب العربي 2019
مثل قطعة سكر تذوب قصصُها على الورق في تدفق مدهش وبأسلوب شائق، لكنها رغم ذوبانها السريع هذا تترك أثراً عميقاً في النفس.
ذاك انطباعك حين تقرأ أياً من المجموعتين القصصيتين اللتين أبدعتهما الكاتبة المصرية تيسير النجَّار: "خلف الباب المغلق"، و"جئتك بالحب"، والأخيرة حصدت قبل أيام جائزة يوسف زيدان لإبداعات الشباب العربي لعام 2019.
وفي حوار أجرته "الجريدة" مع النجَّار، قالت إن الكاتب لا يستطيع الانفصال عن بيئته، لافتة إلى أن الخيال لا يشفع لقصة كُتبت بلغة رديئة أو دون تقنيات جيدة... وإلى نص الحوار:
ذاك انطباعك حين تقرأ أياً من المجموعتين القصصيتين اللتين أبدعتهما الكاتبة المصرية تيسير النجَّار: "خلف الباب المغلق"، و"جئتك بالحب"، والأخيرة حصدت قبل أيام جائزة يوسف زيدان لإبداعات الشباب العربي لعام 2019.
وفي حوار أجرته "الجريدة" مع النجَّار، قالت إن الكاتب لا يستطيع الانفصال عن بيئته، لافتة إلى أن الخيال لا يشفع لقصة كُتبت بلغة رديئة أو دون تقنيات جيدة... وإلى نص الحوار:
• كيف استقبلت خبر حصدكِ جائزة يوسف زيدان؟ وإلى أى مدى يحفزك هذا الفوز لمواصلة مشروعكِ الإبداعي؟- كنت أشاهد التلفزيون دون تركيز وهاتفتني صديقتي ناريمان السيد، وأخبرتني بصوتها المبتهج بحصولي على الجائزة، وأتت أمي على صوت صرخة فرحتي واحتضتني، بالطبع كنت سعيدة بفوز مجموعتي القصصية بالجائزة، في ظل وجود روايات منافسة لها، وهذا ربما يغيِّر فكرة أن القصة القصيرة تحل في مرتبة ثانية بعد الرواية، كما أنها عملي الثاني، وهذا يحفزني جداً في بداية مشواري الأدبي، وفرحة الأصدقاء بي أبهجتني، والاحتفاء من أشخاص لا أعرفهم أشعرني بالسعادة، وأحاول أن أشع الحب، وكذلك أن يقدم إليّ، فأنا طبيعتي مثابرة وصبورة حتى مع وجود المُحبِطات. أحياناً كنت أبكي عقب أي حدث مزعج، ثم استأنف الكتابة والعمل، ووجود شيء إيجابي أظنه سيحمسني إلى المزيد، مثلاً عندما فكرت في النشر وعمري ستة عشر عاماً، لم أكن أعرف مدينة أسوان جيداً، ولا أعرف مقر الجرائد، لكنني كنت على ثقة من وجودها، كنت بعد موعد الدراسة أمشي في الشوارع أتأمل البنايات بحثاً عن مقر جريدة، حتى نشرت أول قصة في صحيفة إقليمية، وتعلمتُ أن أصنع بخطواتي الطريق.
منزلنا القديم
• لأنك من أسوان مدينة الطبيعة الساحرة والتاريخ والحضارة... كيف أسهمت في بلورة حسك الإبداعي؟- أسوان مدينة جميلة هادئة على حافة جنوب مصر تشبهني، فمنزلنا القديم كنت بمجرد الخروج منه والوقوف على قمة الجبل أستطيع رؤية النيل والخضرة والجبال الرملية على الضفة الأخرى، وأعتقد أن هذا الحس الإبداعي الذي تتحدث عنه تسلل إليّ من دون وعي، وفي غفلة مني، بينما كنت أمارس حياتي الطبيعية، فصديقتي الأقرب هي شجرة البامبوزيا الشامخة في جانب فناء المنزل، وفي مراهقتي وقبل زيارة القاهرة كنتُ أتمنى الانتقال إليها، لكن بعد زيارتها وتأملي لذاتي عرفت أن روحي معلقة بأسوان، مثل جبال قريتي لو رغبت في الابتعاد ستنكسر.استخدام اللغة
• يبدو ولعُكِ الشديد بالفانتازيا والواقعية السحرية مثلما في قصة "بداية" في مجموعة "جئتك بالحب"... برأيك، ما الذي يمنح النص ألقه: "اللغة والتقنية أم أجواء الخيال؟- الخيال ليس مجرداً لابد من طريقة لتوصيله... لو وددتُ أن أكتب قصة من الضروري استخدام اللغة. اللغة هي الوعاء الذي يحوي الخيال أو الواقع، واللغة هي الجسر الواصل بين الكاتب والقارئ، لا مجال للمفاضلة، الفكرة مهمة والأهم التقنية المستخدمة لكتابتها، وأحب الخيال لكنه لا يشفع لقصة كتبت بلغة رديئة أو دون تقنيات جيدة، كذلك لا أحب قراءة جمل فصيحة ومنضبطة لُغوياً لكنها لا تفضي إلى شيء وتفتقر إلى الجمال، أي تفتقد الإبداع، الأمر متشابك، اللغة لابد أن تستخدم لإنتاج نص إبداعي لا جمل متصلة جافة فقط. • مثل خيط رفيع تنغزل في نسيج المجموعة كلمات سر متكررة: الشمس، الشاطئ، الفراشة، العصافير، والقرية... هل من الضروري أن يكون الكاتب ابن بيئته؟- صدقني سؤالك جعلني ألاحظ ذلك وأتذكر معظم القصص التي استخدمت فيها هذه المفردات، ففي طفولتي كنت أنام في فناء الدار وتوقظني الشمس بأشعتها معلنة بدء اليوم واللعب، وكانت أمي تمنعني من اللعب بعيداً عنها.وعند الشاطئ أو ضفة نهر النيل كانت نزهتي الوحيدة في طفولتي برفقة أسرتي، كنا نحمل طعامنا ونجلس على الرمال حتى مغيب الشمس، يمر الوقت ويسحرني جمال الطبيعة وأحزن لدى العودة إلى المنزل.لا أدري ما الذي تغيَّر ولم أعد أرى الفراشات والدبابير وأبوالفصاد (طائر مهاجر يأتي إلى مصر في الشتاء ويُعرف أيضاً بـ"هزاز الذيل")، طفولتي كانت مزدحمة بهم، أتأمل حريتهم في الحركة والتحليق، وأنا خلف باب منزلنا المغلق. تمنيت أن أصير عصفورة وأتبعهم في رحلاتهم.أما القرية فتحوي كل شيء. هي مكاني الذي عشت فيه 15 سنة لا أعرف غيرها، أزور مدينة أسوان قليلاً كنت أتمنى الخروج عنها إلى أي مكان، واكتشفت أن ذلك المكان بالضرورة سيشبهها، لأن قصة "هناك" التي تخيلت فيها مكاناً يشبه الجنة كانت تماثل الأماكن الطبيعية في قريتي، أخذت منها خيالي.وإجمالاً، لا يستطيع الكاتب أو الإنسان عامة الانفصال عن بيئته، حتى لو كان يريد البُعد عنها سيظل متأثراً بها، ستظهر هناك في تلقائيته وتقبع في لاوعيه.• ما النص الذي شرعت في كتابته لكنه تحجر في يدكِ وأبى أن يكتمل؟- متتالية قصصية... توقفت عن استكمالها، بعدما تشاجرت مع أبطالها!• "فرصة للحياة" واحدة من القصص اكتسبت بعداً فلسفياً كيف اكتسبتِ هذه المهارة، هل هي الحياة؟- أحياناً أشعر أنني خارج الزمان والمكان، وأراني طيفاً شفافاً، وأرى العالم كذلك، والداي يلعنان نسياني وشرودي وكسولة ولا شيء يجذبني ويجعلني في كامل وعيي وانتباهي، وسأخبرك بأمر، لقد عدت لقراءة قصة "فرصة للحياة" من أجل الإجابة عن سؤالك، لكنني لم أجد الإجابة وربما كانت الحياة هي من علمتني، فحياتي فترة طويلة من الزمن كانت مقتصرة على المراقبة والتخيل، وأراقب الناس وأتخيل شخوصي وأصدقائي ساكني الورق.• ما المشروع الأدبي الذي تعكفين عليه الآن؟- أراجع بعض القصص القديمة... ربما يخرج منها شيء إلى النور.
صديقتي الأقرب شجرة البامبوزيا الشامخة في فناء المنزل
طبيعتي مثابرة وصبورة حتى مع وجود المُحبِطات
الخيال لا يشفع لقصة كتبت بلغة رديئة أو دون تقنيات جيدة
طبيعتي مثابرة وصبورة حتى مع وجود المُحبِطات
الخيال لا يشفع لقصة كتبت بلغة رديئة أو دون تقنيات جيدة