وبعدين مع ترامب؟!
وقاحة الرئيس الأميركي، خصوصاً مع دول الخليج التي يفترض أن تكون من أكبر الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة خارج منظومة «الناتو»، سوف تتمادى أكثر وأكثر مع مرور الأيام مادامت تواجَه بابتسامات خجولة وطأطأة الرأس، بينما بعض وسائل إعلامنا تبالغ في التملق والتسويق لهذه الإدارة بأنها حامية الحمى ورأس الحربة في الدفاع عن أمن المنطقة ومصالحها.آخر عنتريات دونالد ترامب تمثّل في طلبه الرسمي من مؤسسات النقد والاقتصاد العالمي تغيير تصنيف الكويت وقطر والإمارات كدول نامية، وإخراجها من دائرة المزايا التي تقدم إلى هذه الفئة من الدول فيما يخص التعاملات التجارية التفضيلية والفوائد المخفضة، بحجة أن هذه الدول الخليجية فاحشة الثراء، على حد قول الرئيس الذي صدق نفسه ليكون الآمر الناهي في العالم.كالعادة حاول البعض تبرير هذه السياسة الجديدة باعتبارها موجهة إلى الصين وكوريا فشملت ضمناً دول الخليج الثلاث، وبنفس سياق التملق والمجاملة التي وصلت إلى حد النفاق المكشوف، وكأن عبارات التهكم والتطاول والاستهزاء ولغة التهديد والأمر المباشر بدفع مئات المليارات لم تأتِ من ترامب ضد دول الخليج ورموزها!
بالطبع ليس المطلوب من دول الخليج مناكفة الولايات المتحدة، باعتبار أنها دولة صديقة تربطها معها مختلف أشكال التعاون والمصالح المشتركة الممتدة تاريخياً، إلا أن هذه العلاقات تقتضي أن ترسمها سلطات صناعة القرار وفق مبدأ الشراكة والاحترام، لا بحسب الأهواء الشخصية لترامب وعائلته ومشاريعهم التجارية والسعي إلى كسب الأصوات الانتخابية، خصوصاً أنه الرئيس شبه الوحيد في الولايات المتحدة الذي اشمأزت منه مؤسسات الدولة العميقة ووسائل الإعلام وأكثر من نصف الشعب الأميركي نفسه.وإذا لم يفطن المسؤولون في الخليج حتى الآن إلى أن ترامب مجرد بالونة سمينة خاوية من الداخل ويتراجع أمام أصغر تَحَدٍّ فتلك مشكلة وعقدة سوف تفتح أبواب مواصلة الاستنزاف المالي لثروات الخليج بمزيد من قلة الذوق والاحترام الدبلوماسي، ولن نفاجأ إذا سمعنا أن ترامب يصادر الأصول المالية والاستثمارات المليارية لدول الخليج في الولايات المتحدة بتغريدة واحدة.عوداً إلى التصنيف العالمي لدول الخليج في قائمة الدول النامية، يجب أن يعرف الجميع وفي مقدمتهم شعوب المنطقة، أن الإمارات وقطر والكويت لم تستفد مطلقاً من التسهيلات النقدية الدولية رغم استحقاقها لذلك، وفي المقابل كانت صاحبة الريادة في إلغاء فوائد ديون الدول الفقيرة من قروضها في أكثر من مناسبة، وهي من أكثر دول العالم سخاءً في تقديم المساعدات المالية، والأهم من ذلك أنها عصب الطاقة التي تدار بفضلها العجلة الصناعية الغربية بما فيها الاقتصاد الأميركي.أمام غطرسة ترامب يفترض أن تبادر دول الخليج إلى طلب الامتيازات النقدية العالمية للاستفادة منها في تطوير البنى التحتية وتحديث صناعاتها النفطية بما يتناسب مع متطلبات حماية البيئة والعودة إلى استرجاع الفوائد التي تدين لنا بها الدول الغربية وفق ما يعرف بنظام «الأوفست»، لا رداً على قرار الرئيس الأميركي، ولكن كحقوق مستحقة ومعطلة لشعوب الخليج في زمن الضائقة المالية التي تعيشها!