ما أهمية الخطاب السياسي في العلاقة الأميركية الصينية؟
لطالما كانت العلاقة الأميركية الصينية، بقيادة ترامب وشي جين بينغ، متقلبة، صحيح أن أبرز خلاف يتعلق بتباعد المواقف حول الممارسات التجارية، لكن واشنطن وبكين عمدتا تدريجاً إلى تصعيد خطابيهما الصارم لوصف علاقتهما الثنائية. قد يميل الكثيرون إلى اعتبار هذا الخطاب «مجرّد كلام» أو «كلمات فارغة»، لكن الديناميات القائمة بين الدول يمكن أن تعطي تداعيات عميقة، بدءاً من أعلى مستويات القوة السياسية وصولاً إلى المواطنين العاديين.في وقتٍ سابق من هذا الشهر، وجّه خبراء في الشؤون الصينية والسياسة الخارجية وكبار رجال الأعمال رسالة مفتوحة إلى إدارة ترامب دانوا فيها السياسة الأميركية الراهنة تجاه الصين وحذروا من وضع بكين في مصاف الأعداء. اعتبر آخرون أن هذا الشكل من سياسة «الالتزام» تجاه الصين لم يُطبَّق بالكامل يوماً. كذلك، ذكرت جهات أخرى أن مقاربة ترامب، التي تخلّت عن سياسة واشنطن المبنية على التعاون سابقاً، تشكّل رسالة علنية للصين مفادها أن وضع المراوحة الدولي الذي ساهم في زيادة النفوذ الصيني لم يعد قائماً اليوم. بعبارة أخرى، يعتبر البعض أن ترامب يريد بمواقفه هذه أن يؤكد عدم خضوع الولايات المتحدة بسهولة لمساعي الصين الرامية بكل وضوح إلى تحسين مكانتها ونفوذها.لكنّ هذا الخطاب التصعيدي ليس نتاج إدارة ترامب وحدها، بل يتعلق جانب بارز من الخطاب السياسي الأميركي اليوم باستعمال كلمات متطرفة والتعبير الصريح عن انعدام الثقة بالصين أو الاشتباه في نواياها. وحتى أعضاء الكونغرس الأميركي والديمقراطيين الطامحين للرئاسة اتخذوا مواقف أكثر عدائية من الصين.
في المقابل، لم تتردد الصين بدورها في استعمال لهجة صارمة، لاسيما في المواضيع السياسية الحساسة، على غرار وحدة الأراضي الصينية، في تايوان تحديداً، أو السياسات الصينية المحلية،وفتح تسوي تيان كاي، السفير الصيني لدى الولايات المتحدة، حساباً خاصاً به على تويتر حديثاً، واستعمل هذه المنصة لشجب محاولات فصل تايوان عن الصين رسمياً، محذراً من رد سريع وصارم على أي خطوات مماثلة. من الواضح أن هذه الرسالة تستهدف جهات متعددة، كونها تتزامن مع استعداد تايوان لانتخابات عام 2020 واتجاه الولايات المتحدة إلى بيع أسلحة للجزيرة. قد يكون كلام تسوي مجرّد خطاب نموذجي، لكن نائب رئيس البعثة الصينية في باكستان، تشاو ليجيان، أطلق عاصفة غير مألوفة على «تويتر» حديثاً. وما بدأ على شكل دفاع عن السياسة الصينية في «شينج يانغ» في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع تصاعد بوتيرة سريعة، فانتقد تشاو الولايات المتحدة بسبب سجلها الشائب في مجال حقوق الإنسان عموماً، وذكر مسائل مرتبطة بالسياسة الخارجية في الشرق الأوسط، ورهاب الإسلام، والعنصرية، والهجرة، وعدم مساواة المداخيل، والعنف المسلح، وغياب المساواة بين الجنسين، والاعتداءات الجنسية. شملت بعض التغريدات أفكاراً نمطية عن العاصمة واشنطن، ما دفع تشاو والسفيرة الأميركية السابقة سوزان رايس إلى تبادل الاتهامات بالعنصرية.حُذِف جزء من تلك التغريدات لاحقاً، ما يثبت أن انتقادات تشاو صدرت على الأرجح عن دبلوماسي جريء يتصرف من تلقاء نفسه. لكن الاستعمال المتزايد لمواقع التواصل الاجتماعي التي تطغى عليها اللغة الإنكليزية (ولا ننسى المنصات التي يعوقها جدار الحماية الصيني العظيم) يشير إلى استعداد الدبلوماسيين والصحافيين الصينيين العاملين في منشورات تديرها الدولة لإطلاق خطابات مضادة لبقية بلدان العالم. حتى أن افتتاحية في صحيفة «غلوبال تايمز» ذهبت إلى حد كتابة ما يلي: «ستسعى وسائل الإعلام الصينية والدبلوماسيون الصينيون إلى كشف الحقيقة للجميع وفضح غطرسة الغرب وأحكامه المسبقة».قد يؤدي توسّع الخطابات المتطرفة إلى سلسلة من التداعيات، وفي المقام الأول، تكون المواقف المعادية التي تضع الطرف «الآخر» بمصاف «العدو» متبادلة في معظم الأحيان، كما أنها تُرسّخ المشاعر القومية القائمة أصلاً، وبغض النظر عن النظام السياسي المحلي، تُجبِر هذه الديناميات السياسيين والدبلوماسيين على التحرك في إطار أضيق وأقل مرونة من العادة، تزامناً مع تدقيق الرأي العام بما يحصل. في نهاية المطاف، لن تتأثر التبادلات بين الشخصيات الرفيعة المستوى فحسب، بل يمكن أن تتقلص التبادلات الأكاديمية أو العابرة للثقافات أو صفقات العمل أيضاً، وقد تتراجع قيمتها بعدما تدرك الأطراف المعنية حقيقة العلاقات الثنائية.رغم الاتهامات المتواصلة والمتبادلة، تتحمل واشنطن وبكين معاً مسؤولية تدهور العلاقات الأميركية الصينية راهناً، لذا من الأفضل أن يُعَدّل صانعو السياسة في العاصمتَين توقعاتهم ويعملوا على إدارة أهم علاقة ثنائية في العالم. لتحقيق هذا الهدف، لا بد من وضع شروط تسمح للبلدين بالتعاون والتنافس وتخفيف حدّة المواجهة. أخيراً، تتعلق مهمة أساسية أخرى بضمان ألا تتغير تلك الشروط مع مرور الوقت!* إليانور ألبرت*«ذي ديبلومات»