• بدأت نشر أعمالك الشعرية في سن متقدمة نسبياً حين صار عمرك 45 عاماً، ما السبب؟

- لسبب شخصي، فقد تركت المدرسة في الصف الثاني الإعدادي لعدم وجود المعيل، أنا يتيم منذ الطفولة وربّاني جدّي لأبي، وتوفّي في تلك المرحلة والفقر محيط بي أصلاً حتى في حياة جدّي، فقلت في نفسي سأعلِّم نفسي، وهكذا حفظت ما حفظت من القرآن الكريم وقاموس المحيط ظنّا مني أن هذا يجعلني ثريّ اللغة ويجعلني شاعراً، لكن في العشرين من عمري أول سنة 1975 تيسّر لي الالتقاء بشاب سوري مثقف وأكبر مني ببضع سنوات، غيّرني كليّا وكان له الفضل في اطّلاعي على الحداثة فكراً وشعراً وأدباً بشكل عام، حينها قرّرتُ أن أعتزل وأقرأ مدة ربع قرن أي إلى عام 2000، وبعدها إن اقتنعت بنفسي فسأبدأ بالاحتكاك بالشعراء وأنشر شعري، وهو ما حدث بالفعل.

Ad

• الشاعر العربي الكبير أدونيس أثنى على تجربتك... إلى أي مدى حفزك رأيه لمواصلة الإبحار في عالم القصيدة؟

- أدونيس الشاعر الكبير العظيم كإنسان، أرسلت له كتابين في البريد قبل النشر لأستعين برأيه، وفعلاً تأخر الرد ستة أشهر حتى نسيت الأمر وظننته لم يبالِ بما وصل اليه، وفوجئت بعدها بعودة الكتابين مع رسالة بخط يده، وقد وضع ملاحظاته بالقلم الأحمر، وكتب رأياً أعتز به، وقمت بنشر الكتابين وقبلت بمعظم ملاحظاته واقتراحاته، دون أن يعرفني شخصياً، ولم ألتق به إلا بعدها بثلاث سنوات، ونحن الآن أصدقاء على كل المستويات، وأي اختلاف أو خلاف حتى بيننا لا يهدم الصداقة، وهو يحترم الاختلاف.

• بداية معظم الشعراء تنطلق من الحب وقصص الغرام، لكن الوضع لم يكن هكذا معك... ألم تعش قصة حب ليتدفق شعرك في هذا الاتجاه مبكراً؟!

- اسمح لي أن أضحك على نفسي، فالحب بالنسبة إليّ عشته في كل مراحل عمري، عشته كحياة وواقع وحلم، بل كنت أعيشه في غالب الأحيان كحالة شعورية أكثر منها كواقع، وأما الكتابة عنه فكانت مبثوثة في طيات الشعر دون تخصيص، ولعل حياتي مرت بمراحل واهتمامات غلّبت في مرحلة الشعر برؤى أخرى وبأبعاد وجودية على شعر الحب المعروف كتيار قديم وحديث.

• ماذا يعني الشعر بالنسبة إليك؟

- لم أعش يوماً في حياتي خارج الشعر مهما كانت مشاغلي، كان الشعر معي في صمتي، معي في مزاحي وفي جدّيتي، معي في أفراحي وأحزاني، معي في الحب، ومعي في غربتي الطويلة لأكثر من أربعين سنة بعيداً عن الوطن، ومعي في الوطن، إنه كالروح في جسدي لا يفارقني إلا في الموت، وحين سُئلت ذات مرة: ما الأهم الشعر أم الحياة؟ قلت: «الحياة بالنسبة لي في الشعر»، على الرغم من أنني قمت بدوري على أكمل وجه كأب وعملت بعديد من المهن ووقتي كل يوم كنت أجد فيه نفسي مع الشعر.

• يتنوع إبداعك بين كل الأشكال الشعرية (عمودي وتفعيلة ونثر) أليس ثمة فوارق جوهرية بين هذه الأشكال؟

- بلا شك من تجربتي الطويلة التي بدأت بالعمودي، ولكن بعد أن عرفت الشعر الحديث وخاصة التفعيلة وجدت حرية أكثر ومجالاً مفتوحاً للجملة الشعرية وتنوع القافية أو حتى بدون القافية، وكنت أخاف من قصيدة النثر لأن ظاهرها سهل أماً في الواقع فهي الأجدر والأعمق، إنها الحرية المطلقة التي تحمل في داخلها قوة الانضباط ولا تتأتى على حقيقتها إلا لكبار المواهب من الشعراء، وأعتبر نفسي على طريق من مهّدوه قبلي ولا أعرف حكم النقّاد على ما كتبت إلا قليلاً.

• تكتب بالفصحى والعامية... على أي أساس تحدد اللغة التي تبدع بها قصيدتك؟

- في بعض الأحيان كانت قصدية، لكن في الغالب أمسك القلم وليس في ذهني أي شيء مسبق لا ماذا سأكتب ولا بأي لغة، وبعد الكلمات الأولى والشطب والسطر والسطرين، تنفتح الرؤية باللغة التي أجدني أغرف منها ناسياً حتى إلى من أكتب، أراني كمن يكلم صورته وهي ترتعش على وجه الماء.

• يصفــــك بعــــض أصدقائـــــك بـ «السندباد» لكثرة أسفارك... هذا الترحال كيف أفاد نصك؟

- حديث السفر قصة طويلة بدأت بالبحث عن العيش الأفضل، ومن ثم وجدت نفسي لا آلَفُ الأماكن طويلاً، فكل انتقال كنت أعتبره عيداً حتى ولو من بيت إلى آخر بغض النظر عن أيهما أفضل، وبعد عمل في الغربة نجحت مما يسّر لي السفر سائحاً وليس بمعنى السياحة المعروف، كنت أذهب إلى البحر لحبي للبحر، ولكن لابد من زيارات لأكتشف الجديد في المدن أو في الصحارى الإفريقية الكبرى، وكل سفرة تقابل قراءة كتاب أو كتب، وقوام كتاباتي السردية والشعرية على هذه الأسس: القراءة والسفر وتجارب الحياة.

• ماذا في جعبة أشعارك وربما يخرج إلى النور قريباً؟

- كان عام 2014 قد صدر لي الأعمال الشعرية الجزء الأول والجزء الثاني عن المؤسسة العربية في بيروت (بالعربية الفصحى) وصدر لي قبل شهرين في دمشق عن دار التكوين الجزء الثالث من أعمالي الشعرية وهو باللغة الدارجة وقدّم له الشاعر الكبير أدونيس، ولدي كتب عديدة منها «يوميّات لاجئ سوري منتهٍ تاريخه»، لم أوفق بدار نشر تطبعه حتى الآن، وكتبت سردية أخرى: «حكايات شامي في المغرب»، ومجموعة شعرية بالفصحى «كراهبٍ يتأمّلُ سُرَّتَه»، كتبته في ألمانيا في السنوات الأخيرة، وكتبت سرديّة أخرى تنتظر النهاية.