المشهد الثقافي العربي (2-3)
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
ما يهمنا في هذا المقال، هو التركيز على التغيّر الذي طال الحياة الثقافية. وأول ملامح هذه التغير هو نمطيته بوجوده في الأقطار العربية قاطبة، فالجميع يعيش مناخات القرية نفسها بقوانينها وشرائعها، ويحيا مستهلكاً منتجاتها، والجميع، بشكل أو بآخر، وبدرجة أو بأخرى، تقولَب وفق العولمة الثقافية، وصار يلبس اللباس والحذاء نفسه، وينطق المفردة نفسها، ويقرأ ويتداول الكتاب ذاته، ويستعمل التلفون عينه، ويأكل من مطاعم المدينة نفسها. وبالتالي ما ينطبق على الحياة الثقافية في الكويت، هو بالضرورة متشابه، إلى حد ما، مع ما يحدث في مصر أو لبنان أو العراق أو السعودية أو المغرب أو سورية أو الإمارات أو عمان أو تونس والجزائر والسودان وبقية الأقطار العربية، مع حفظ الفروقات المالية الاقتصادية. ففي الدول قاطبة تقهقرت وذابت سطوة الأحزاب والمجاميع الحزبية، ومعها انمحى وجه الأديب المعروف، الأديب المؤدلج، ذي النتاج الإبداعي المتراكم والمشهود له محلياً وعالمياً، الأديب الرمز، الأديب الواجهة، الأديب صاحب التوجه الفكري والإبداعي المعروف. ويبدو من نافلة القول الإشارة إلى تقهقر واندحار الشعر السياسي وانحصار موجة الخطابة الشعرية في البرامج التلفزيونية وصفحات الجرائد والمجلات، ومع الشعر تقهقرت إلى حد ما القصة القصيرة وانزوى المسرح والتشكيل، وصعد بدلاً من هذا وذاك حضور معارض الكتب العربية ببرامجها الثقافية، وما تبعها من انتشار عنقودي لدور النشر العربية، وتحديداً الشبابية، ولمع ودوّى نجم الجوائز الأدبية العربية، وعلى الأخص جوائز دول الخليج العربي، وتحديداً جوائز الرواية وتالياً القصة القصيرة. هذا مجتمِعاً، وتأثراً بالعولمة ووسائل الإعلام «سوشيال ميديا-Social Media» أنتج جيلا من الكتّاب الشباب، جيلا مختلفا بإمكانياته وقناعاته وأفكاره وطموحاته وعلاقاته وحساباته الشخصية، جيلا يركض للنشر ويركض للرواية ويركض للجوائز ويركض للشهرة ويركض لشللية ودوائر علاقات مغلقة. وإذا كان هذا مشروعاً وليس من اعتراض عليه، فإنه أنتج مشهداً إبداعياً ثقافياً عربياً مغايراً تماماً لما كان قائماً، وأحد أبرز تمثلاته تتضح من خلال غياب الكاتب المعروف برصيده الإبداعي التراكمي، ومنجزه الإبداعي المتفق عليه لدى جمهور القراءة والنقد والدرس الأكاديمي. كما أن الحضور الأكبر لهذا الجيل يتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي منصات لحضوره والترويج لنتاجه الأدبي. وهذا يأتي بالتعاون مع دور نشر جديدة، جعلت من الدعاية للأعمال هماً يفوق جودة الأعمال نفسها.لقد تشظى المشهد الإبداعي الروائي والقصصي، وربما الشعري والمسرحي، وصار يصعب على القارئ والناقد والدارس الوقوف أمام كم هائل من الكتابات اليومية التي لا سبيل إلى حصرها.