• حقوقي وكاتب وشاعر... أين أنت في هذه الرحلة؟- هي رحلة الحياة والواقع مع رحلة النفس والعقل، فالتحصيل المعرفي والأكاديمي في مجال الحقوق يحتاج إلى مجهود بدني وعقلي كبير لصعوبته ودقته، فالجملة القانونية فاقدة لأي إحساس أو زخم، وتتميز بالمباشرتية والجمود والاختصار على عكس الكتابة الأدبية والجملة الإبداعية الحاملة لكل الأحاسيس والمقاصد والأهداف، وكم كبير من الرسائل الظاهرية والباطنية.
والتوفيق بين الاثنين ليس بالأمر السهل أو الهين، والجانب الإبداعي الداخلي لدى الفرد لا يحده أي عائق، حتى إن كان التحصيل المعرفي الموازي، وأنا أطور نفسي بصفة مطردة ومتواصلة منذ أن كنت أنشر القصائد الشعرية في المرحلة الثانوية على أعمدة جريدة الشروق التونسية، وكانت لدي في ذات المدة تجربة كتابة عشرات المقالات الصحافية في نفس الجريدة، تعنى بالشأن التعليمي والتلميذي.فالمبدع رحالة بطبعه، يركب أمواج الكتابة في رحلة لا تنتهي مهما تنوعت المراكب من نثر أو شعر أو غيرهما، ويبدو عندما أكتب بنمط معين أشحن نفسي وأدفعها لنوع آخر من تجارب مغايرة وأذواق متضادة انتشاء بولادة الحروف تباعا، فأنا في بداية الرحلة ووسطها، بل أنا الرحلة نفسها.
عالم الكتابة
• كيف دخلت عالم الأدب ولمن تدين بالفضل في مساعدتك على دخول عالم الكتابة؟- بداية الكتابة، كأغلب الكتّاب، كانت بمحاولات صغيرة وساذجة في بدايات العمر وحماس الصغر، والتجربة تنضج الكاتب، فقد كانت لي كتابات في القصة القصيرة وقصص الأطفال والشعر، ويجد الفرد نفسه مدفوعا إلى ذلك دون قرار أو تخطيط، بل لحب داخلي وإفراغ طاقة كامنة فيه، وفي الحقيقة لم يساعدني أحد على دخول المجال الأدبي أو حتى شجعني، بل وجدت الخذلان والعراقيل، لكني لم أبال وواصلت السير قدما.• دائما يشار إلى أن الشاعر - الأديب يتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، فأين نجد هذا التأثير؟- هذا صحيح، في المطلق شاعرا كان أو أديبا أو حتى شخصا عاديا ليست له اهتمامات خاصة، فالبيئة تساهم في إنتاج الشخصية الداخلية والتداخلات العقلية والاختلاجات النفسية، وبلا ريب للبيئة دورها وحضورها القوي، من مكان وزمان وشخصيات وعلاقات وأفراح وأحزان ووعي ذاتي وجماعي وتركيبة مجتمعية.وبيئتي لا تخرج عن هذا السياق إلا من ناحية الثقافة، إذ تعاني منطقتي فقرا مدقعا في الشأن الثقافي والتشجيع عليه، أو التعريف به من ناحية رسمية للدولة، أو من ناحية الجمعيات، أو من ناحية أشخاص غير الحاملين في داخلهم لهذا العنصر الفكري المهم، وهو ما يحد من الجهد الإبداعي ويعرقله، فمنطقة يقطنها عشرات الآلاف تفتقد دار ثقافة تكون ملجأ للصغار والكبار، وحتى دار الشباب تحولت لقاعة ألعاب سمجة، ومن المؤكد أن الشباب سيلجأ لأماكن أخرى تكون في الغالب سلبية وتؤدي لعواقب وخيمة.عصر المعلوماتية
• في عصر المعلوماتية كل شيء أصبح مرهونا بحساب وأرقام وآلة فاقدة للحس تعرف بالحاسوب، برأيك هل مستقبل الشعر والأدب إلى زوال؟- نعم، إنه عصر المعلوماتية والتكنولوجيا وأدواتها المختلفة والمتطورة، وهذا يشمل كل مناحي الحياة ولوازم البشر واحتياجاتهم اللزومية والكمالية، والكتابة والحرف كالباقي يؤثران ويتأثران بالتغيرات المستمرة، لكني لا أساند فكرة أن جمود الآلات تفقد الكتابة معناها أو تهدد وجودها، بل على العكس تماما نجد التكنولوجيا ساهمت في انتشار الكتاب والتعريف به، وتسهيل الحصول عليه واقتنائه، حتى من الناحية التجارية استفاد الكثيرون من التسويق الإلكتروني أكثر مما كانوا سيجنونه من التوزيع العادي.• هل مازال للشاعر رسالة في عصر المعلوماتية؟- انسجاما مع السؤال السابق وتواصلا في ذات المعنى تقريبا أرى أن للشاعر رسالته التي لا يكون إلا بها، سواء في عصر المعلوماتية أو غيره، يبثها ويوصلها مهما كانت الوسائل، فالكتابة ليست مرتبطة بالمحيط المادي بقدر ما ارتبطت بدواخل الإنسان الصافية.الحضور الأنثوي
• للمرأة حضور قوي في إشعارك، ما رؤيتك لقضية الأدب النسوي؟ وهل يحتاج إلى إعادة النظر في مجمله؟- المرأة عنصر أساسي ورئيسي في الحياة وفي الأعمال وفي كل شيء تماما كالرجل، وفي الأدب لا تكتمل الشخصيات إلا بها كما في الشعر تغنيا وغزلا.الحركة النقدية
• ما رأيك في النقد الشعري بتونس؟- النقد الشعري في تونس كمجال نقدي هو كغيره من مجالات النقد، فضاء يضم الإيجابي والسلبي والتجاذبات والاصطفافات، على العموم كلما كان الإنتاج غزيرا ومتنوعا كان النقد كذلك، وهو بدوره يخضع أيضا للنقد، إذ ليست أحكام النقاد أو رؤاهم مقدسة أو صحيحة ونهائية بالضرورة، لكن في ذات الوقت هي مرحلة لازمة لتطوير الكتابة الإبداعية وإغناء الساحة الثقافية وإظهار لمدارس نقدية ربما تكون جديدة.والمجال الأدبي في تونس ضعيف كما وكيفا، إلا من بعض الاستثناءات للأسماء البارزة والمبدعة حقا، والضعف راجع أساسا لإخضاع المجال الثقافي للتوجهات السياسية، كما أن دور النشر في أغلبها باتت شركات تجارية بحتة.نجاح وتفوق
ولد ياسين بوزلفة في فرنسا، ثم انتقل للإقامة في تونس، ويقول عن هذه الرحلة: "ولدت في فرنسا، حيث كنا نعيش كآلاف العائلات التونسية للعمل وتحسين مستوى المعيشة، ثم عدنا إلى تونس، حيث أكملت مراحل التعليم بنجاح وتفوق، من ابتدائي وإعدادي وثانوي وعال، وحصلت على شهادة الماجستير في العلوم الجنائية من كلية الحقوق والعلوم السياسية في المنار بتونس.