محاولة في تشخيص مشاكل الكويت!
لماذا لا تتطور رؤيتنا إلى مناطقنا ومساكننا؟ ولماذا لا يؤثر تعليمنا وأسفارنا ونسبة خريجينا، في ترشيد الإنفاق أو تقليص العمالة الهامشية؟ لماذا لا نتخذ قرارات عصرية بحق المواطنة، ونجرب الاستفادة، بدلاً من التخلص، ممن نطلق عليهم مختلف التسميات "غير المرحبة" والطاردة؟!
الجميع يشعر أن عجلة الدولة لا تدور كما ينبغي في مكان ما! وأن المستوى المعيشي والتقدم الذي تحقق في البلاد، أو ما تحقق منه على الأقل، بات مهدداً اليوم! ثمة مشكلة ما خلف كل ما نرى من مشاكل وقرارات ربما تُتخذ بجانب ما نعرف من قرارات.اقتصادنا المالي مزدهر وفي البنوك مليارات، والشهادات تتوالى بحسن إدارة الاقتصاد، وبأننا "الأفضل في المنطقة"... ولكن الجميع في الواقع قلق، وثمة شعور طاغ بأن الجهاز الإداري والمالي والحياة السياسية ليست في أحسن أحوالها.ثمة شكوى طاغية من انتشار أنواع غير مألوفة من الفساد في الكثير من المجالات والمنجزات السياسية والثوابت الوزارية ورجال الدولة الذين يمكن الثقة بهم والقرارات التي تنفذ، أشياء كثيرة باتت موضع البحث والشك!
لماذا تتسع الفجوة بين الحكومة والمجلس والناس؟ ولماذا سادت لغة التهديد واقتياد الوزراء وخرجت عربات عديدة من قطارنا عن السكة؟هل ينقذنا الشباب؟ وزير الدولة السابق الشيخ محمد العبدالله كالكثيرين، أكد في إحدى المناسبات مثلاً على دورهم، لا من خلال العمل الحكومي فحسب، "وإنما من خلال العمل والإبداع وابتكار الأفكار". نائب مجلس الأمة السيد راكان النصف ذكر الحضور في تلك المناسبة بضرورة أن تقوم الدولة بـ "توفير 74 ألف فرصة عمل في الأعوام الـ 15 المقبلة، وتوفير 20 ألف وظيفة سنوية بعد ذلك". (القبس 17/2/2015).من أكبر قضايا الكويت التنموية في اعتقادي، مضاعفات المشكلة السكانية، كما هو الحال في دول عربية وإسلامية كثيرة. والمشكلة في الكويت مشكلتان، تتعلق الأولى بالكويتيين والثانية بالعمالة والتركيبة السكانية... إلخ. ولا ينبغي أن نفكر في توفير فرص العمل لطالبي الوظائف فحسب، بل كذلك حل مشكلة الامتداد العمراني وما يتطلب إنشاء البنية التحتية في المناطق الجديدة من تمديدات وخدمات، فالسكان في تزايد في بلد محدود المساحة، و"الامتداد الرأسي" في الإسكان غير مقبول، والأراضي القابلة للاستخدام والقريبة نسبيا من المناطق المأهولة في تقلص. دراسة الباحث محمد العوضي القيمة عن "التركيبة السكانية" مثلاً، (القبس 5/5/2019)، أشارت إلى أن متوسط مساحة السكن ـ أو المنزل ـ في دولة غنية مثل النرويج 120 مترا مربعا، وفي اليابان 122 مترا مربعا، وفي المملكة المتحدة 68 مترا، لكن مساحة مسطحات البناء لغالبية البيوت في الكويت، رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة، بكل تأكيد تتجاوز الألف متر مربع مما يتطلب عمالة منزلية كثيرة.ومن المعروف أن الكثير من القسائم بين 400 و750 مترا مربعا، ولكن الفلل بالطبع من عدة أدوار، مما يزيد مسطح البناء ويجعله، كما يشير الباحث، أكثر من 1000 متر مربع.قوة العمل الكويتية في إحصاء 1965 كانت نحو 43 ألفا، وغير الكويتية 141 ألفا، فكانت نسبة الكويتية 23%، والأخرى 77% وكانت العام الماضي، 2018، نحو 400 ألف كويتي بنسبة 14% ومليونين و400 ألف غير كويتي بنسبة 86%... تقدم محدود جدا!دراسة العوضي القيمة نبهت المسؤولين إلى أمر آخر، حيث إن المشكلة ليست في التكاثر الطبيعي للكويتيين فحسب، بل النمط الرفاهي الباذخ الذي ساد الرواتب ومجالات الصرف، بعد مزايدات نيابية وسياسية. تقول الدراسة إن "نمط الحياة للكويتيين متجه نحو الاستهلاك المفرط للسلع والخدمات مع فشل السلطتين التنفيذية والتشريعية في الحد من ذلك، بل نجد أن التشريعات والقوانين الشعبوية التي أقرت بتوافق بين السلطتين مثل إقرار ما يعرف بالكوادر العشوائية خلال طفرة أسعار النفط بين عامي 2003 و2014 تسببت في زيادة وتيرة الاستهلاك لدى المواطنين إلى حدود غير مسبوقة، فارتفاع أعداد العمالة الوافدة بشكل حاد بين عامي 2011 و2018 يعود أحد أسبابه إلى الارتفاع الحاد في نمط الاستهلاك للمواطنين للسع والخدمات".وفي مجال التكاثر الطبيعي، تقول الدراسة، إن معدل خصوبة المرأة في الكويت عام 2017، وفق الإحصائيات الرسمية، ولا أدري هل تشير الدراسة إلى الكويتية وغير الكويتية معا، كانت 3.55، أي أن المرأة الكويتية المتزوجة تنجب ما بين ثلاثة إلى أربعة أطفال خلال عمرها الإنجابي. وأكدت الدراسة أن الكويتيين يتزايدون منذ 1965 بنسب عالية.أين تقع مرتبة الكويت مقارنة بالدول الأخرى؟ تقول دراسة العوضي: "جاء ترتيب الكويت حسب معدلات النمو السكاني على مستوى العالم بين عامي 2005 و2010 حسب إحصاءات الأمم المتحدة في المرتبة الـ34 بمعدل نمو 2.44. وقد تضاعفت أعداد الكويتيين بين عامي 1975 و1995، حيث كانت أعدادهم حسب تعداد 1975 ما يقارب 308 آلاف نسمة تقريبا، وفي عام 1995 وصل تعدادهم إلى ما يقارب 636 ألف نسمة، وتضاعفت كذلك أعدادهم بين عامي 1995 و2016 حيث وصلت إلى ما يقارب المليون و322 ألفا عام 2016".لماذا لا تتطور رؤيتنا إلى مناطقنا ومساكننا؟ ولماذا لا يؤثر كل تعليمنا وأسفارنا ونسبة خريجينا، في ترشيد الإنفاق أو تقليص "العمالة الهامشية"، أو نتخذ قرارات عصرية بحق المواطنة، ونجرب الاستفادة ـ بدل التخلص ـ ممن نطلق عليهم مختلف التسميات "غير المرحبة" والطاردة؟! ماذا عن امتداد مناطقنا السكنية؟ واندفاعنا الاستهلاكي في الماء والكهرباء... والجمعيات؟ هل ستؤدي زيادة الكويتيين السكانية إلى "تخفيض نسب الوافدين" وتخفيف الاعتماد ربما على "العمالة المستوردة"؟ دراسة العوضي تقول العكس!بل إن ما يحدث في مجتمعنا، تضيف الدراسة، "يخالف ما دأبت عليه الأسر في الدول الغنية في العالم من خلال التوجه نحو تخفيض عدد المواليد، فهناك علاقة عكسية بين مستوى الرفاه الاقتصادي للأسرة وبين عدد أفرادها. وكذلك بين رفاه الدولة والتزايد في عدد السكان. وبذلك يلاحظ انخفاض متوسط حجم الأسرة في الدول الغنية، فمتوسط حجم الأسرة في اليابان 2.7 فرد، وفي النرويج 2.2 فرد، وفي الولايات المتحدة الأميركية 3.1 أفراد، وفي بريطانيا 2.3 فرد، وفي سنغافورة 3.5 أفراد، في حين يقدر متوسط عدد أفراد الأسرة الكويتية بما يقارب 7 أفراد، والحكومة في الوقت الحالي تشهد ضغطاً متواصلاً على ميزانيات التعليم والصحة والإسكان، والأهم من كل ذلك، الضغط الشديد في توظيف الأعداد الهائلة من الخريجين القادمين إلى سوق العمل، ولهذا السبب أعلنت الحكومة على لسان وزير المالية في بداية العام الحالي قرار إلغاء الالتزام بسقف مصروفات محدد وتركت لكل وزارة حرية تحديد احتياجاتها". (القبس 5/5/2019).ربما كنا بحاجة إلى اجتماع تشاوري بين كبار المسؤولين والمخططين للإجابة عن بعض الأسئلة:1-هل لدى الدولة القدرة على تشغيل هذه الآلاف من الخريجين والخريجات، الذين يعاني الكثير منهم المشاكل الدراسية والمهنية دون اللجوء إلى مقترحات تماثل ما تم طرحه لحل أزمة خريجي كلية الشريعة؟2- هل لدينا المساحات الأرضية الكافية لآلاف من طلبات الإسكان المتوقعة خلال السنوات القادمة؟ 3- هل نستطيع الإنفاق على البنية التحتية للكويت الكبرى من الوفرة إلى الدبدبة والروضتين من ماء وكهرباء ومدارس ومستشفيات؟صحيفة "الحياة" اللندنية كذلك نشرت قبل أعوام تقريرا يلخص جوانب من آثار الزيادة السكانية نقلاً عن خبير التسويق كميل عقاد، (30/6/2015) جاء فيه: "حصد مجلس التعاون الخليجي واحدا من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم خلال العقد الماضي، أي أسرع بنحو أربع مرات من الأسواق الناشئة والولايات المتحدة وسبع مرات من الصين و10 مرات من منطقة اليورو.وأكد عقاد أن التركيبة السكانية لدول الخليج سترتفع 30 في المئة بحلول عام 2020 وفقا للتقديرات الصادرة عن وحدة إيكونوميست للمعلومات عام 2012، إذ إن نحو نصف سكان المنطقة حاليا تحت سن الـ25، وتستمر القوى العاملة في النمو، ما يزيد معدل النمو المحتمل في المنطقة".ولفت إلى أن معدل النمو السكاني المرتفع سيستهلك الموارد النادرة في المنطقة وعلى رأسها المياه، ولذلك فإن الاستثمار في كفاءة استخدام المياه وتحليتها أمر مهم جدا". (الحياة)... فما المخرج من كل هذا؟