قرار مستحق لمعالجة «القروض»!
يشهد ملف قروض المواطنين التمويلية والاستهلاكية تصاعداً في المطالبات بالتعامل معه ومعالجته، ويبدو من الاقتراحات النيابية العديدة المقدَّمة أنه سيكون محل جدل وسجال في دور الانعقاد المقبل لمجلس الأمة. ورغم تباين وجهات النظر حول استحقاق بحث ذلك الملف، وقرار مجلس الوزراء بأنه لا توجد مشكلة متعثرين، وفق بيانات البنك المركزي، فإن هناك مطالب شعبية متصاعدة بهذا الصدد.مسألة ارتفاع أعباء المعيشة على المواطن الكويتي هي أمر حقيقي، علماً أن العدد الأكبر من قروض التمويل يتعلق بقضايا السكن الخاص، سواء كانت شراءً أو ترميماً، لاسيما بعد قرارات البنك المركزي، التي تشترط أن يقدِّم المقترض إيصالات تبيِّن طريقة صرفه للقرض، ولم يعد الأمر كالسابق، بالحصول على قرض لأمور تتعلق بالكماليات أو السفر السياحي، فيما عدا شراء السيارات والأثاث والمتعلقات المنزلية.
بشكل عام، ودون الدخول في تفاصيل قضية القروض، فإن أي حلٍّ لتلك القضية يجب أن يسبقه قرار مهم، وهو إلغاء القرار الصادر عن ديوان الخدمة المدنية في نهاية سبعينيات القرن الماضي، بضمان الدولة تحويل راتب الموظف الحكومي للمؤسسة المصرفية الأولى التي يختارها عند توظفه، ولا يتم التحويل إلى أخرى إلا بموافقة خطية منها، وهو أساس المشكلة، للتوسع الكبير في تقديم القروض، ولا توجد تقريباً دول أخرى سبقتنا في مجال العمل البنكي والمصرفي تضمن تحويل راتب الموظف إلى جهة معينة.في كل دول العالم عملية الإقراض ومسؤولياتها وتبعاتها تقع على مقدِّم القرض، الذي يجب أن يتحرى عن الملاءة المالية لطالب التمويل، وفي الكويت القطاع الحكومي هو الموظف الأكبر للمواطنين، وذلك القرار الذي مضى عليه أكثر من 40 عاماً أدى إلى ظاهرة الإقراض الكبيرة، كما أن ذلك القرار انتفت الحاجة إليه مع وجود نظام "الساينت"، الذي يقدِّم المعلومات الائتمانية لكل عميل يتعامل مع النظام المصرفي وشركات السلع الاستهلاكية.مؤسسة التأمينات الاجتماعية والقطاع الخاص الكويتي لا يضمنان تحويل الراتب إلى بنوك محددة، ومع ذلك يحصل المتقاعدون وموظفو القطاع الخاص على القروض، بجميع أنواعها، وتبذل المؤسسات المصرفية جهوداً أكبر لتحري ملاءتهم المالية قبل إقراضهم، ولا يوجد مثلاً في أوروبا أو كندا منع سفر بسبب التخلف عن الأقساط، بل إجراءات قضائية للحجز على الممتلكات وإعلان الإفلاس والوضع على قائمة منع الائتمان (بلاك ليست)، فالدولة هناك لا تقوم بتحصيل ديون الغير في سجونها إلا إذا اقترن ذلك بجريمة سرقة أو التزوير أو الاحتيال.قرار إلغاء ضمان الدولة لتحويل رواتب موظفيها لبنك معيَّن هو قرار مستحق، وسيُرشد بشكل كبير عملية منح القروض والتسهيلات المالية، ويحث البنوك وشركات التمويل على تحري الدقة في مجال الإقراض، وتصحيح لقرار بدعة غير موجود في العالم، وسيكون مهماً لوقف تكرار هذه المشكلة بين فترة وأخرى، وإن لم تتجاوب الحكومة معه، فلربما يكون الطعن فيه قضائياً أمراً مستحقاً.