تعلّق حسن البارودي بالتمثيل منذ طفولته، والتحق بفرقة المسرح المدرسي، وبعد تخرجه في مدرسة «الأمريكان» بالقاهرة، عمل مترجماً في إحدى الشركات السياحية، وفي عام 1923 انضم إلى فرقة حافظ أمين، وبعد سنوات ذهب إلى فرقة رمسيس التي أسسها يوسف وهبي، ولم يجد سوى وظيفة «ملقن»، ثم جاءته فرصة التمثيل في إحدى المسرحيات، وتحول من الهواية إلى الاحتراف.

تنقل البارودي من فرقة إلى أخرى، وراوده حلم البطولة في المسرح، وأسس خلال فترة الأبعينيات فرقته الخاصة مع الفنانة نجمة إبراهيم، وقدم بعض العروض في محافظات مصر، ثم طار إلى الخرطوم، وعاش هناك فترة، ثم عاد إلى القاهرة، وتسربت أحلامه في البطولة المطلقة.

Ad

استأنف البارودي نشاطه مع الفرق الخاصة حتى نهاية الخمسينيات، وشارك في الكثير من المسرحيات العربية والمترجمة، منها «غادة الكاميليا»، و«الكونت دي مونت كريستو» للكاتب الفرنسي ألسكندر دوماس، و«الابن»، و«البؤساء» للكاتب الفرنسي فيكتور هوغو، و«مرتفعات وذرنج» للكاتبة الإنكليزية ايميلي برونتي، وشارك مع يوسف وهبي في بعض النصوص المقتبسة مثل «بيومي أفندي»، و«فاجعة على المسرح»، و«ملك الحرير»، و«أولاد الفقراء» و«المظلوم».

وخلال الستينيات، تألق البارودي في المسرح القومي، ورغم أدواره القصيرة، نال تقدير الجمهور والنقاد، وحقق حضوره المتميز في أداء الكثير من الشخصيات التراجيدية والكوميدية، وبلغ ذروة نضجه الفني في مسرحيات الكاتب سعدالدين وهبة «السبنسة»، و«سكة السلامة»، و«كوبري الناموس»، وشارك في «القضية» للكاتب لطفي الخولي، و«الخال فانيا» للكاتب الروسي تشيكوف، والتي أخرجها للمسرج المصري المخرج الروسي لسلي بلاتون، وقام بالبطولة عبدالله غيث، وسميحة أيوب.

امتدت مسيرة البارودي المسرحية إلى نصف قرن، وكانت آخر أعماله مسرحية للأطفال «ولد وجنية» عام 1973، وتعامل مع أجيال من المخرجين، منهم عزيز عيد، وعبدالرحيم الزرقاني، وكرم مطاوع، وسعد أردش، وكمال ياسين، وكان منافساً شرساً لكبار النجوم مثل يوسف وهبي، وصديقه حسين رياض، وأحمد علام، وسناء جميل، وسميحة أيوب، وحمدي غيث وغيرهم.

صاحب السعادة

دخل البارودي إلى السينما عام 1929، وقد شارف على الأربعين، وظهر لأول مرة على الشاشة في الفيلم الميلودرامي «بنت النيل» 1929، إخراج عمر وصفي، وبطولة عزيزة أمير، وعباس فارس، وأحمد علام، وبعد عامين وقف أمام نجيب الريحاني في «صاحب السعادة كشكش بيه» إخراج استيفان روستي، وفي عام 1941 لعب دور «خال» يوسف وهبي في فيلم «ليلى بنت الريف» للمخرج توجو مزراحي، وشارك في بطولته المطربة ليلى مراد، وبشارة واكيم، وأنور وجدي.

في تلك الفترة تباعد ظهور البارودي على الشاشة، لانشغاله بالمسرح، وبات رصيده من الأفلام لا يتجاوز فيلمين سنوياً، وتراوحت أدواره بين الطيب والشرير، واقترنت به شخصيات الأب والشيخ المسن، وظهر مُجدداً أمام يوسف وهبي بطل ومخرج فيلم «الأفوكاتو مديحة» 1950، وفي العام التالي قام بدور عمدة القرية في فيلم «الخارج عن القانون» للمخرج محمد عبدالجواد، من بطولة فريد شوقي، وزينات صدقي.

أفلام عالمية

بلغ البارودي ذروة تألقه في فيلم «باب الحديد» 1958 بطولة وإخراج يوسف شاهين، وجسد شخصية «عم مدبولي» بائع الجرائد في محطة القطار، ونال إعجاب الجمهور بأدائه المتفرد، لاسيما المشهد الأخير، وعبارته الشهيرة «تعالى يا قناوي هاجوزك هنومة»، ويعد من أهم المشاهد في تاريخ السينما المصرية.

وبفضل موهبته الكبيرة، وإجادته للغة الإنكليزية، جاءته فرصة المشاركة في أفلام عالمية، وظهر عام 1953 في فيلم «ثلاثة في مصر»، و«رومل يغزو الصحراء» بطولة أدريان هوفن، وفي عام 1966 وقف أمام النجم الأميركي شارلتون هيستون في فيلم «الخرطوم» وتألق في أدائه التمثيلي، حتى ظن البعض أنه ليس ممثلاً عربياً.

ومن أدواره السينمائية الفارقة، دور «الأسطى عمارة العجلاتي» في فيلم «درب المهابيل» 1955 للمخرج توفيق صالح عن قصة لنجيب محفوظ، ودور «الباشكاتب» في «الحرام» قصة يوسف إدريس وإخراج هنري بركات، وشخصية «شيخ البلد المنافق» في فيلم «الزوجة الثانية» 1967 قصة أحمد رشدي صالح، وإخراج صلاح أبوسيف، وكان آخر أفلامه «العصفور» إخراج يوسف شاهين، الذي صور مشاهده عام 1972، وعرض الفيلم بعد رحيله في 18 يناير 1974.

بطولة مطلقة

ورغم ابتعاد البارودي عن البطولة المطلقة، فإنه حصد العديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الفنون 1959، وجائزة الدولة المصرية التشجيعية في العلوم والفنون من الطبقة الأولى 1963، ورحل أشهر المنافقين في السينما المصرية على نحو مأساوي، عندما أصيب بالعمى في الشهور الأخيرة من حياته.