كفى بالموت واعظاً
ما إن تشرف نشرة الأخبار على نهايتها حتى يعلق المذيع: انتقل إلى رحمة الله تعالى محمد بن عبدالله، وسيوارى جثمانه الثرى في الساعة الرابعة عصراً في مقبرة الصليبيخات، «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» وما إن تسمع الخبر وتعرف أن المتوفى صديقك أو زميلك في العمل أو قريبك أو جارك حتى ينتابك الحزن والأسى، ولكن ما عسانا نقول غير«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ».تعقد النية على الذهاب إلى المقبرة لتشييع الجنازة، وفي المقبرة ترى جمعاً غفيراً من الناس جاؤوا لحضورها، يقول عليه الصلاة والسلام: «يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله».وما إن يصل جثمان المتوفى حتى يتسابق الناس إلى حمله، وهم يعلمون أنهم سيحمَلون مثله بعد وفاتهم، فلم التسابق على حمل الميت؟ هل سيعطي حامله أجراً من المال؟ كلا كلا، ولكن الأجر العظيم عند رب العالمين هو الذي دفعهم إلى التسابق لحمل الميت طمعاً في الحصول على الأجر والثواب العظيم.
يقول رسولنا الكريم، محمد صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان»، قيل: «وما القيراطان»؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» رواه البخاري ومسلم.ويستحب للماشي خلف الجنازة أن يفكر في الموت وما يلقاه الميت بعد فراق دنياه وأحبائه، ولا ينشغل بالحديث في أمور الدنيا الفانية، كالحديث عن التجارة والأسهم والعقار والسفر وتدخين السجائر أو الحديث في الهاتف، عليه أن يتعظ بموقف تشييع الجنازة والدفن. وهاهو هارون الرشيد يقول لأحد الصالحين: عظني أيها الشيخ، فقال الشيخ: يا هارون لو دامت لغيرك ما وصلت إليك - أي الخلافة - قال هارون: زدني، قال: يا هارون تلك قصورهم وهذه قبورهم، كفى بالموت واعظاً يا هارون. فبكى هارون حتى اخضلت لحيته.وهذا الحسن البصري يقول لرجل حضر جنازة: «أتراه لو رجع إلى الدنيا لعمل صالحاً؟» قال الرجل: نعم، فقال الحسن: فإن لم يكن هو فكن أنت.نعم كن أنت عزيزي القارئ ممن يخافون الله ويعملون الصالحات ويتزودون بالتقوى، لأن التقوى خير زاد للعبد، وطريق النجاة ومرضاة للرب، وسبيل إلى الجنة بإذن الله تعالى.* اقرأ واتعظ:أذكر في أيام الغزو العراقي الغاشم سنة 1990م كانت هناك عجوز أسمعها يومياً تردد قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل».