فردوس محمد... «أيقونة الأمومة» على الشاشة البيضاء
35 عاماً في التمثيل دون تقمص أدوار البطولة
صنعت الفنانة فردوس محمد نجوميتها بعيداً عن أدوار البطولة المطلقة، وتألقت في تجسيد شخصيات السيدة الأرستقراطية، والريفية، والمربية، والأم الطيبة، وبلغ رصيدها على الشاشة البيضاء نحو 130 فيلماً، وعشرات المسرحيات، وتناغمت قصة حياتها مع أفلامها الميلودرامية، وامتد مشوارها الفني نحو 35 عاماً، وصارت "أيقونة الأمومة" في السينما المصرية.
ظل دخول فردوس محمد إلى عالم التمثيل لغزاً، وجذب بريق النجومية فتاة حي المغربلين بالقاهرة، والمولودة في 13 يوليو 1906، والتحقت في العشرين من عمرها بفرقة "أولاد شحاتة"، وظهرت لأول مرة في مسرحية "إحسان بك" 1927، وأصبحت من أعمدة الفرقة، لكن دون تقمص أدوار البطولة.ورغم اندثار مسرحياتها خلال 3 عقود، صارت فردوس محمد من رائدات التمثيل المسرحي مع أمينة رزق، ودولت أبيض، وفاطمة اليوسف، وعلوية جميل، وفاطمة رشدي، وروحية خالد، وغيرهن، ووقفت أمام عمالقة الكوميديا والتراجيديا في النصف الأول من القرن العشرين.
الممثلة الشابة
ظلت الأدوار القصيرة تحاصر الممثلة الشابة، رغم تنقلها بين فرق مسرحية مختلفة، منها فرقة يوسف وهبي، ونجيب الريحاني، وعزيز عيد، وجورج أبيض، وإسماعيل ياسين، وذهبت البطولات إلى أخريات، ولولا تجاوب الجمهور مع أدائها المتفرد، وانتزاع التصفيق وصيحات الإعجاب، لاعتزلت التمثيل، وامتهنت التدبير المنزلي، وتربية الأطفال التي تعلمتها بالمدرسة الإنكليزية في حي الحلمية بالقاهرة.دموع الحب
لحقت فردوس محمد بقطار السينما، عندما أسند إليها المخرج محمد كريم دور الأم في فيلم "دموع الحب" 1935، بطولة محمد عبدالوهاب، وكانت دون الثلاثين من عمرها، وبرعت في تجسيد شخصية سيدة في الخمسين، وكرَّرت التجربة عام 1938 مع "كريم وعبدالوهاب" في "يوم سعيد"، ما دفع الكثير من المخرجين إلى ترشيحها لأدوار مماثلة، وأقنعها المخرج أحمد بدرخان أن تلعب دور والدة أم كلثوم في فيلم "فاطمة" 1947، رغم أنها كانت أصغر سناً من كوكب الشرق!ورغم تعاونها مع مخرج مغامر مثل يوسف شاهين، فإنه رشحها لدور والدة شكري سرحان في فيلم "ابن النيل" 1951، ووالدة عمر الشريف في "صراع في الميناء" 1956، وتفوقت الممثلة الموهوبة بأدائها الصادق، ومعايشتها لشخصية تتكرر من فيلم إلى آخر، واستطاعت أن تحقق حضورها المميز، وخطفت الأضواء من نجوم هذه الأفلام، وانطبعت مشاهدها القصيرة في ذاكرة المشاهد.وتحولت فردوس محمد إلى "تميمة حظ" لبعض النجوم، ومنهم الفنان نجيب الريحاني، وكان يتفاءل بالتمثيل معها، وشاركته أفلاما عدة منها "سلامة في خير"، و"أبو حلموس" 1047، ورفض الريحاني بطولة فيلم "عزل البنات" 1949 دون وجودها، ولم يجد منتج ومخرج الفيلم أنور وجدي سوى دور مربية "ليلى مراد"، وكان من أقصر أدوارها على الشاشة.رد قلبي
تباعدت فردوس محمد عن البطولة المطلقة، وبظهور اسمها على أفيش الفيلم، يتوقع المشاهد أنها ستلعب دور "أم البطل أو البطلة"، لكنها تعلن حضورها المميز بأدائها لأطياف هذه الشخصية، ومنها الأم الريفية في فيلم "شباب امرأة" 1956 للمخرج صلاح أبوسيف، وبطولة شكري سرحان، وتحية كاريوكا، وشادية، وسراج منير، وعبدالوارث عسر.ويعد فيلم "رد قلبي" 1957 من أعمالها الفارقة، وأسند إليها المخرج عز الدين ذوالفقار دور زوجة "الريس عبدالواحد الجنايني"، وأيضاً جسدت شخصية "الأم الضريرة" في فيلم "حكاية حب" 1959 إخراج حلمي حليم، وبطولة عبدالحليم حافظ، ومريم فخر الدين. وخلال حقبة الخمسينيات، بلغت ذروة نشاطها الفني، وقدمت سلسلة من أدوار الأم في "عيون سهرانة" 1956 إخراج عز الدين ذوالفقار، وبطولة شادية، وصلاح ذوالفقار، ولعبت دور أم "عمر الشريف" في فيلم "إحنا التلامذة" 1959 للمخرج عاطف سالم، وشارك في بطولته شكري سرحان، ويوسف فخر الدين، وتحية كاريوكا، وزيزي البدراوي.وأنهت فردوس محمد مشوارها الفني مع المخرج نيازي مصطفى، وجسدت دور الأم الحبشية زبيدة، والدة عنترة (فريد شوقي) في فيلمي "عنتر يغزو الصحراء" 1960، و"عنترة بن شداد" 1961. تشابهت قصة حياة فردوس محمد مع بعض أفلامها الميلودرامية، وتخللها بريق الشهرة والفرح والحزن، ودفعها الخوف من الحسد إلى إخفاء أمومتها لابنتها الوحيدة، طوال 17 عاماً، وفي آخر أيامها أصيبت بالسرطان، ورحلت أيقونة الأمومة في السينما المصرية في 30 يناير 1961 عن عمر يناهز 55 عاماً.