السودان يقترب من تشكيل حكومة انتقالية

اتفاق بين «العسكري» و«التغيير» على الإعلان الدستوري

نشر في 04-08-2019
آخر تحديث 04-08-2019 | 00:02
 سودانيون يحتفلون بالاتّفاق حول الإعلان الدستوري في الخرطوم أمس      (أ ف ب)
سودانيون يحتفلون بالاتّفاق حول الإعلان الدستوري في الخرطوم أمس (أ ف ب)
فُتحت الطريق أمام السودان للدخول في مرحلة انتقالية يؤمل أن تخرج البلاد من عقود من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.

فبعد مفاوضات شاقة لعب الشارع دوراً قوياً فيها، توصّل المجلس العسكري الذي استولى على الحكم بعد إزاحة الرئيس عمر البشير وحركة الاحتجاج التي قادت إلى انتفاضة على النظام السابق، إلى «اتفاق كامل» حول الإعلان الدستوري، مما يُمهّد الطريق لتشكيل حكومةٍ مدنيّة تُدير المرحلة الانتقالية.

ويُكمّل الاتفاق على «الوثيقة الدستورية» اتفاق قادة الجيش وقادة تحالف «قوى الحرية والتغيير» الذي يقود الاحتجاجات، في 17 يوليو الماضي على «الإعلان السياسي» لتشكيل مجلس عسكري مدني مشترك يؤسس لإدارة انتقالية تقود البلاد لمرحلة تستمر 39 شهراً.

لا تفاصيل

وقال وسيط الاتّحاد الإفريقي محمّد الحسن لبات، أمس، خلال مؤتمر صحافي في قاعة الصداقة للمؤتمرات في الخرطوم بثّه التلفزيون الرسميّ: «أعلن للرأي العام السوداني والدولي والإفريقي أن الوفدين قد اتفقا اتفاقاً كاملاً على المشروع الدستوري»، دون أن يشير إلى تفاصيل الاتفاق.

وأشار الوسيط الإفريقي، الذي وقف بجواره الوسيط الإثيوبي محمود درير، إلى استمرار الاجتماعات لتنظيم مراسم التوقيع الرسمي على الاتفاق الذي طال انتظاره بدون أن يحدّد موعداً لذلك.

وجاء هذا الإعلان عن اتفاق بعد نحو يومين من مقتل أربعة متظاهرين بالرصاص خلال مسيرة في أم درمان قرب الخرطوم، وسط تظاهرات شارك فيها الآلاف في أرجاء البلاد تنديداً بمقتل ستة متظاهرين بينهم أربعة طلاب الاثنين في الأُبيّض في الوسط.

وكانت المباحثات الجارية تتناول «الحصانة المطلقة» التي يطالب بها جنرالات الجيش و»صلاحيات مجلس السيادة» المشترك و»مظاهر الانتشار العسكري» في مختلف مدن البلاد.

«مدنية مدنية»

وهتف الصحافيون السودانيون الموجودون في قاعة المؤتمر فرحاً وابتهاجاً بالتوصل للاتفاق، في حين ردّد بعضهم هتاف «مدنية مدنية» المميز لحركة الاحتجاج.

وغادر المفاوضون العسكريون قاعة المؤتمر فور إنهاء لبات كلمته، فيما بقي مفاوضو حركة الاحتجاج لتلقي التهاني وأسئلة الصحافيين.

وقال إبراهيم الأمين أحد مفاوضي «الحرية والتغيير»: «اتفقنا على القضايا الحساسة المرتبطة بالأمن واستقلال القضاء وصلاحيات مجلس الوزراء والمجلس السيادي وهي القضايا المهمة لمدنية الدولة».

بدوره، قال عمر الدقير المفاوض في حركة الاحتجاج، إنّ «الاتفاق على الإعلان الدستوري يعني بالنسبة لنا بداية تأسيس السلطة الانتقالية وتطبيق برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي وبدء المرحلة الانتقالية». وأكّد أن ذلك يشكل «مرحلة صعبة يجب أن يكون جميع السودانيين شركاء فيها».

الثورة نجحت

وتجمع العشرات أمام قاعة الصداقة على ضفاف النيل الأزرق وسط الخرطوم ملوّحين بأعلام بلادهم وهاتفين «مدنية مدنية» و»الدم بالدم لا نقبل الديّة»، في حين أطلقت السيارات العنان لأبواقها احتفالاً بالتوصل للاتفاق. وقال أحمد إبراهيم (25 عاماً) وهو يلوّح بعلم السودان «بالنسبة لنا الآن الثورة نجحت وبلادنا وضعت قدمها على أول الطريق بقيام السلطة المدنية».

وتابع «الجميع فرح ويحلم بغد أفضل»، فيما قال آخرون إنّهم ينتظرون التفاصيل «لإعطاء رأي كامل».

لكن الطالب محمد ياسين «22 عاماً» اعتبر أنّه «من الجميل أن نصل لاتفاق، لكن من غير المقبول نسيان دماء الشهداء». ورأى أنّ «تحالف الحرية والتغيير تناسى دماء الشهداء التي أوصلتنا لهذه اللحظة الفارقة».

وكان مقرراً عقد المفاوضات الثلاثاء لكنّها أجلت إلى مساء الخميس بعد مقتل ستة متظاهرين بالرصاص بينهم أربعة طلاب الاثنين في مدينة الأُبيّض في ولاية شمال كردفان.

وتفاقم الوضع بعد مقتل أربعة متظاهرين الخميس في أم درمان خلال مسيرات كبيرة دعت إليها حركة الاحتجاج تنديداً بأحداث الأُبيّض، وسط غضب عارم بالبلاد.

واتهم الفريق جمال عمر رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس العسكري الانتقالي عناصر في قوات «الدعم السريع» في الأبيض بقتل المتظاهرين الطلاب.

والجمعة، قال منذر أبو المعالي أحد مفاوضي «الحرية والتغيير» إنّ «الوثيقة تنص على إخضاع قوات الدعم السريع لقانون القوات المسلحة وللقائد العام كما أن جهاز المخابرات العامة وفقاً للوثيقة يخضع لمجلس السيادة ومجلس الوزراء».

وكانت قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ حميدتي»، تخضع لقانون خاص لها قبل ذلك.

وهي قوات واسعة الانتشار والنفوذ تشكلت من الميليشيات التي كانت تقاتل إلى جانب الحكومة في دارفور وغيرها من بؤر التوتر ويخشاها الناس على نطاق واسع في السودان، وقد اتهمها المحتجون مراراً بارتكاب انتهاكات، الأمر الذي ينفيه حميدتي ويقول إنّها مزاعم لتشويه قواته.

وقبل توقيع الاتفاق، أعلن التلفزيون الرسمي أن الطرفين «باشرا مناقشة وثيقة السلام الموقعة مع الجبهة الثورية»، في إشارة للاتفاق الموقع في أديس ابابا بين حركة الاحتجاج وثلاث حركات متمردة سبق أن أبدت تحفظات عن الإعلان السياسي الموقع في 17 يوليو الشهر الفائت. وقالت المجموعات الثلاث المسلحة المنضوية في حركة الاحتجاج حينها إنّ الاتفاق السياسي فشل في إبراز أولوية إحلال السلام في مناطق النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

وزراء تكنوقراط والحقائب الأمنية للعسكر

قال محمد مدني القيادي بقوى «الحرية والتغيير»، إن أعضاء مجلس الوزراء السوداني سيتم اختيارهم من الكفاءات المهنية غير المسيسة (تكنوقراط) .

بموجب الاتفاق الذي ينتظر التوقيع عليه بشكل رسمي قريبا بين «قوى التغيير» والمجلس العكسري، فإن تعيين وزيري الدفاع والداخلية بتوصية من المجلس السيادي المكون من 11 شخصاً، 5 بينهم من المدنيين، وسيقتصر عدد الوزراء على 20 وزيراً فقط، تختارهم «قوى التغيير». وستصل نسبة مشاركة «قوى التغيير»، في المجلس التشريعي، حسبما تنص الوثيقة الدستورية المتفق عليها، إلى 67% من أعضاء المجلس، على أن يتم التوافق حول النسبة الباقية بما يضمن عدم مشاركة أي من رموز النظام السابق.

back to top