ماذا حدث لنا؟*
![خولة مطر](https://www.aljarida.com/uploads/authors/982_1671286347.jpg)
لا تعتبوا علي إن جاملتهم، يقول بعضهم، فلا أمل لي في الترقي الوظيفي أو الانخراط المجتمعي في شريحة «النخبة» أو حتى احترام البعض لي سوى أن أسير في ذات الدرب الذي يمضي فيه الجميع كالقطعان دون تفكير في بعض الوقت، وبكثير من التخطيط والحنكة ومعرفة «من أين تؤكل الكتف» في كثير من الأوقات. يجرون في الحياة كالوحوش البرية بحثاً عن فريسة أو فرصة، وفي طريقهم تسقط الضحايا وتداس تحت الأقدام وأحيانا تتحول إلى فريسة للقطيع! كأن الحياة لا نهاية لها، هم يسرقون اللحظات ويتصورون أنهم قادرون على شراء كل شيء كل شيء حتى الاستدامة اللا متناهية وإطالة العمر... يقهرون السن والفقر والجهل وكل المعضلات بكثير من المال والعلاقات مع صانعي القرارات والمتحكمين في العباد وفي الثقافة الجديدة، المتحدثين بلغة لا يفهمها إلا من انضم إلى نفس ذاك القطيع أو لنسمِّها، تخفيفاً لوقعها على السامع، بالقبيلة الجديدة أو الطبقة الحداثية. يتشابهون في كل موقع، يتوحدون على مساعدة بعضهم في تبرير كثير من تصرفاتهم ونمط الحياة التي يعيشون. يسقط أمامهم الضعيف فيضحكون إلى حد القهقهة على غبائه أو غبائها، لأنهم لا يزالون «طيبين»، وهي حقيقة كلمة وصِفة عفا عليها الزمن. يتساءلون: «ماذا تريد؟ ولماذا تمسك السلم بالعرض» ثم ينصحونك بشفقة «مشي حالك»، وتبقى وحيداً يسقط أمامك حتى أكثرهم قربة، لا تكترث للأعداء فأنت كفيل بهم، بل عليك أن تخشى الأصدقاء المتلونين، الباحثين عن الشهرة والرفاهية المصطنعة مثقفي الصالونات ومبدعي تلميع القبح وتعليبه في علبة من القطيفة. يخرج بعضهم من دائرته الضيقة، وهو يبحث عن وجوه كان متصوراً أنها لا يمكن أن تتلوث رغم سحابة الدخان الملوث التي يتصورها البعض سحابة صيف، يرحبون به مطلقين عليه «دونكيشوت» أليس هو من يحارب الطواحين؟ أليست هي من تقف وحيدة أمام جحافل المنتقدين، الساخرين، الذين يستصغرونها مرة لأنها لا تزال «متحجرة» ومرات لأنها امرأة من ذاك الزمن الآخر بينما النساء اليوم يتحلين بالسليكون والبوتكس وكثير من المساحيق حتى اختفت معالمهن وأصبحن متشابهات إلى حد صعوبة التفرقة بينهن. كتب ذاك العملاق قبل رحيله «ماذا حدث للمصريين؟»، كان على جلال أمين أن يلحق ذاك الكتاب بآخر يحمل عنوان «ماذا حدث للعرب؟» أو «ماذا حدث للبشرية والإنسانية؟!».* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية