عبدالوارث عسر... سارق الكاميرا الممنوع من أدوار الفتى الأول
صانع النجوم يتحول إلى ظاهرة استثنائية في عالم التمثيل
سُمي الفنان عبدالوارث عسر في عالم التمثيل، بـ«سارق الكاميرا» الممنوع من أدوار الفتى الأول، وتحوَّل إلى ظاهرة استثنائية متعددة المواهب في الأدب وفنون الدراما، وامتدت مسيرته إلى أكثر من نصف قرن.
شارك الفنان عبدالوارث عسر في نحو 300 فيلم، ومئات المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية، ورغم شعبيته الجارفة، ظل سارق الكاميرا بعيداً عن أدوار الفتى الأول، ويقنع بأدواره الصغيرة على الشاشة وخشبة المسرح، ويمارس هوايته في صناعة النجوم.واكتشف عسر موهبته في المدرسة التوفيقية بالقاهرة، وانضم إلى فرقة المسرح، وتعلَّق بنجوم الثلاثينيات مثل جورج أبيض وعزيز عيد، وبعد حصوله على البكالوريا (الثانوية العامة) التحق بوظيفة كاتب حسابات بوزارة المالية، وخلال تلك الفترة توطدت علاقته بمسارح شارع عماد الدين، وأسندت إليه أدوار صغيرة، واستقال من وظيفته بعد بلوغه الأربعين، ليتفرغ للتمثيل. وبدأت رحلة الاحتراف عام 1934، عندما أصبح عضواً في فرقة جورج أبيض، لكنه تمرد على الأداء الصارخ في تلك الفترة، وانضم إلى فرقة عزيز عيد، والأخير تميز بتجاربه المتفردة في الإخراج المسرحي، وتوجيه الممثلين إلى إدراك أبعاد الشخصية، وتجسيدها دون مبالغة، وتأثر عسر بأسلوب عيد، وتراكمت خبراته في التمثيل، وصارت له بصمته المتفردة.
واتجه عسر إلى تأليف وترجمة العديد من المسرحيات العالمية، وشارك مع زميله سليمان نجيب في تأسيس "جمعية أنصار التمثيل"، وكرَّس اهتمامه للنهوض بالمسرح المصري، والتعبير عن القضايا الاجتماعية، وأيضاً كتابة الشعر والدراما الإذاعية، فضلاً عن حفظه وتجويده للقرآن الكريم، وإجادته للأداء باللغة العربية الفصحى.وظل المسرح بيته الأول على مدى نصف قرن، ويحتفظ أرشيف التلفزيون المصري بأعمال قليلة مثل "السكرتير الفني" 1968 إخراج عبدالمنعم مدبولي، وبطولة فؤاد المهندس وشويكار، وقام بدور "الشيخ خميس"، ورغم مشاهده القليلة، استطاع أن يبهر الجمهور بأدائه لشخصية مدرس اللغة العربية.
عاشق المسرح
واختتم عاشق المسرح مسيرته، قبل شهور من رحيله عام 1982، عندما شارك في أمسية "بوردة البوصيري" إخراج كرم مطاوع، ورغم تجاوزه الثمانين من عمره، تألق عسر في الأداء مع كوكبة من الفنانين منهم عبدالرحيم الزرقاني، وحمدي غيث، ومحمد السبع، ومازال التلفزيون المصري يعرض هذا الأمسية في المناسبات الدينية، وسيتوقف المُشاهد عند اللحظة الأخيرة من العرض، عندما يتقدم المخرج بعسر إلى مقدمة المسرح، وسط تصفيق متواصل من الحضور، تقديراً لمكانة هذا الفنان ودوره الرائد في الارتقاء بالمسرح المصري.يحيا الحب
لاحقت الأدوار القصيرة عبدالوارث عسر، وظهر لأول مرة على الشاشة في فيلم "دموع الحب" 1935، وأغرت ملامحه المخرج محمد كريم، أن يسند إليه دور الأب للفنان الشاب -آنذاك- محمد عبدالوهاب، رغم تقاربهما في العمر، وتوالت أعماله مع "كريم وعبدالوهاب" في "يحيا الحب" 1938، و"يوم سعيد" 1940، و"رصاصة في القلب" 1944، واللافت أن افيشات هذه الأفلام خلت من اسمه!تجربة سينمائية
تحول عسر إلى تجربة سينمائية أخرى مع كوكب الشرق أم كلثوم، عندما شارك في التمثيل وكتب السيناريو لفيلمي "عايدة" للمخرج أحمد بدرخان 1942، و"سلامة" 1945 إخراج توجو مزراحي، وجسَّد في الفيلم الأول دور والد أم كلثوم (محمد أفندي)، وفي الثاني (الشيخ أبوالوفا)، وظهر اسمه لأول مرة على ملصقي الفيلمين.وبدأ انتشاره السينمائي منذ بداية الخمسينيات، وتعاون مع كبار المخرجين، مثل صلاح أبوسيف في فيلم "لك يوم يا ظالم" 1951، و"الأسطى حسن" 1952، و"شباب امرأة" 1956، وقدم مع يوسف شاهين سلسلة من الأفلام منها "صراع في الوادي" 1954، و"الأرض" 1970، و"العصفور" 1974، "اسكندرية ليه" 1979، وكان آخر أفلامه "ولا عزاء للسيدات" 1978 مع المخرج هنري بركات.وفي الدراما التلفزيونية، شارك مع المخرج محمد فاضل في مسلسل "أبنائي الأعزاء شكراً" 1979، بطولة عبدالمنعم مدبولي، ويحيى الفخراني، وفاروق الفيشاوي، ومسلسل "أحلام الفتى الطائر" بطولة عادل إمام، وعمر الحريري، وجميل راتب، وفي الإذاعة كتب وشارك بالتمثيل في مسلسلات "الأبالسة"، و"رُدت الروح"، و"الهاربة"، و"الأوزة ماتت".طابع بريد
تعددت ألقاب عبدالوارث عسر، منها رائد المدرسة التعبيرية في التمثيل، وشاعر المسرح، وصانع النجوم، فقد اكتشف عماد حمدي، ودرب الكثير من الفنانات على الأداء، منهن زبيدة ثروت، وماجدة ونادية لطفي وسميرة أحمد وشويكار، وكان يلقي محاضرات حول فن الإلقاء بمعهد السينما المصري، وألف كتاباً في هذا المجال، وترك الكثير من القصائد الشعرية والمقالات الأدبية والنصوص المسرحية سواء التي ألفها أو ترجمها عن اللغتين الفرنسية والإنكليزية.جوائز وتكريمات
نال عبدالوارث عسر العديد من الجوائز، منها تكريمات من الملك فاروق الأول، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس جمال عبدالناصر، وجائزة الدولة التقديرية، ووسام الفنون من الرئيس أنور السادات، وحصل على جوائز في التأليف السينمائي، وكرمته الدولة المصرية بإصدار طابع بريد يحمل اسمه وصورته.