في حين ارتفع العديد من الأصوات في الولايات المتحدة مطالبة السلطات بالتعاطي بجدية مع التهديد الذي بات يمثله «الإرهاب الأبيض» بعد آخر حادثتي إطلاق نار داميتين في البلاد، وتجدد السجال حول حق حمل السلاح ومحاولات توظيف الجريمتين في السباق الرئاسي، بدا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحاول أن يحتوي الانتقادات التي لامت خطابه المتشدد بشأن الهجرة وأثره على ارتفاع وتيرة العنف.

وبعد عطلة نهاية الأسبوع الدامية طالب الرئيس ترامب، أمس، في كلمة وجهها إلى الأمة من البيت الأبيض، بصدور قانون يشدد الضوابط على ملكية الأسلحة.

Ad

وقال ترامب إن على الكونغرس «ضمان عدم حصول من يشكلون خطرا كبيرا على السلامة العامة، على الأسلحة، وفي حال حصولهم عليها يكون بالإمكان نزعها منهم، من خلال الإجراءات المعتمدة... ولذلك دعوت إلى قوانين تعرف باسم أوامر الحماية القصوى من المخاطر».

وطالب بـ «إدانة نزعة تفوق العرق الأبيض»، واصفا إطلاق النار في إل باسو ومدينة دايتون، بـ«عمليات القتل الهمجية»، معتبرا انها «هجوم على الأمة وجريمة ضد الإنسانية جمعاء».

وفي خطابه المتلفز، قال الرئيس الأميركي إن «منفذ إطلاق النار في إل باسو نشر أجندة على الإنترنت، وتتملكه الكراهية العنصرية، وبصوت واحد يجب على أمتنا أن تدين العنصرية والتعصب ونزعة تفوق العرق الأبيض، فالكراهية ليس لها مكان في أميركا».

كما حض الأميركيين «على التوقف عن تمجيد العنف في مجتمعنا، ويشمل ذلك ألعاب الفيديو الفظيعة والبشعة التي تنتشر حاليا»، مضيفا: «علينا أن ندرك أن شبكة الإنترنت وفرت مكانا خطيرا لتطرف العقول المضطربة».

ولفت إلى أنه أمر بإصدار قوانين جديدة، أمس، «لوزارة العدل لاقتراح قانون يضمن أن يواجه من يرتكبون جرائم كراهية وقتل جماعي عقوبة الإعدام، وتنفيذ هذه العقوبة بسرعة وحسم، ودون سنوات من التأخير غير الضروري».

وفي تغريدة كتبها صباح أمس، اقترح ترامب على الجمهوريين والديمقراطيين التوافق حول تشديد القيود على الأسلحة وربطه بمشروعه حول الإصلاحات المتعلقة بالهجرة.

المرض العقلي

وبعدما أمر أمس الأول بتنكيس الأعلام فوق البيت الأبيض، وجميع مباني الحكومة الاتحادية والمرافق العامة في الخارج حتى الثامن من أغسطس الجاري، تجنب ترامب الحديث عن ارهاب، واكتفى بالتشديد على أنه «لا مكان للكراهية في بلدنا، وسنعالج هذه المسألة».

وتابع: «لكن هذه أيضاً مشكلة مرض عقلي، إذا نظرت إلى كلتا هاتين الحالتين. هذا مرض عقلي. هؤلاء أشخاص مصابون بمرض عقلي خطير جداً جداً».

«الإرهاب الأبيض»

وأتى تصريح ترامب بعدما انعكست أصداء حادث إل باسو على حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ ندد مرشحون ديمقراطيون بارتفاع معدلات العنف بأسلحة نارية.

فبينما قال السيناتور كوري بوكر، إن «ترامب مسؤول لأنه يؤجج الخوف والكراهية والتعصب»، اعتبر المرشح في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بيتو أوروركي، أن ترامب «لا يحض على الخطابات العنصرية فحسب، بل يحض على العنف الذي يليها أيضا». لكنه قال: «هذا لا يأتي منه فحسب»، منددا أيضا بشبكة «فوكس نيوز»، وبالدعاية العنصرية التي تنتشر على الانترنت، «وبتزايد نسبة التسامح مع العنصرية» لدى الأميركيين.

ونسب المرشحان الديمقراطيان المحتملان، عمدة مدينة ساوث بيند في ولاية إنديانا، بيت بوتيجيج، والعضو السابق في الكونغرس من أبناء إل باسو، بيتو أورورك، الحادثين الدمويين إلى بروز نزعات القومية والعنصرية في الولايات المتحدة في عهد ترامب.

وذهبت السيناتورة اليزابيت وارين المرشحة المحسوبة على الجناح التقدمي بالحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية للحزب الى حد القول إن «الرئيس يحض شخصيا على العنصرية، وعلى تفوق العرق الأبيض». وقالت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي: «لا يمكننا السماح بأن تعاني عائلة أخرى أو مجتمع آخر من الألم والمعاناة جراء العنف باستخدام السلاح، وعلينا تحمل المسؤولية أمام الناس الذين نخدمهم».

من جانبه، أعرب السيناتور عن أوهايو، شيرود براون، عن غضبه إزاء عدم تبني السلطات على مستوى الولاية والدولة قوانين جديدة لتشديد الرقابة على حيازة السلاح.

وغرد المسؤول الجمهوري في ولاية تكساس جورج ب. بوش، وهو شقيق الرئيس السابق جورج دبليو بوش قائلا «إن مكافحة الإرهاب هي أصلا أولوية، لكنني أعتقد أنه بات من الواجب حاليا أن تتضمن أيضا الوقوف بحزم بوجه هذا الإرهاب الأبيض»، مضيفا «إنه تهديد فعلي علينا التنديد به والعمل على القضاء عليه».

منفذ عملية أوهايو

في هذه الأثناء، أفادت شرطة مدينة دايتون بولاية أوهايو، بأن ميغان بيتس (22 عاماً) شقيقة كونور بيتس (24 عاماً) مطلق النار قرب حانة «نيد بيبيرس» في منطقة أوريغون بالمدينة، كانت من بين قتلى الهجوم الـ 9، بينهم عربي يدعى سعيد صالح و6 من أصل إفريقي، وسارعت وسائل الإعلام الأميركية إلى الحديث عن أن كونور «مضطرب نفسياً».

وأوضحت صحيفة Mirror أن بيتس، كان يخطط لإطلاق النار داخل كليته التي طُرد منها، حيث كان يدرس علم النفس بين عامي 2017-2019، ووضع قائمة بأسماء زملائه الذين كان ينوي تصفيتهم.

وقتل بيتس على أيدي رجال الشرطة بعد أقل من دقيقة من الهجوم. ولم تحدد الشرطة الدافع وراء الهجوم. وكشفت الشرطة هوية الضحايا وهم: سعيد صالح (38 عاماً)، لويس أوجغلسبي (27 سنة)، ديريك فودج (57 سنة)، لوغان تيرنر (30 سنة)، نيكولاس كومر (25 سنة)، توماس ماكنيكولز (25 سنة)، بياتريس وارين كورتيس (36 سنة)، مونيكا بريكهاوس (39 سنة)، وميغان بيتس شقيقة القاتل (22 عاماً).

إل باسو

وفي مدينة إل باسو بتكساس، أعلن المتحدث باسم الشرطة السرجنت روبرت غوميز خلال مؤتمر صحافي، توجيه تهمة القتل إلى باتريك كروزياس (21 عاما) مرتكب مجزرة السبت الماضي داخل مركز «ولمارت» التجاري في المدينة كان ضحاياها 20 شخصاً بينهم 6 مكسيكيين، مشيراً إلى أنّ كروزياس يواجه عقوبة الإعدام.

المكسيك

وفي مكسيكو سيتي، قال وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو إبرارد، إن بلاده تدرس تقديم طلب لتسليم باتريك، لأن ستة من القتلى من المواطنين المكسيكيين.

وقال إبرارد للصحافيين: «نحن نصنّف هذا الحادث على أنه هجوم إرهابي على الجالية المكسيكية ـــ الأميركية والمواطنين المكسيكيين في الولايات المتحدة».

«المنفردون» يلهم بعضهم بعضا

أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «ناتو» ينس ستولتنبرغ، أمس، أن على الدول أن تعمل معاً لمنع المهاجمين الذين ينفذون هجمات بمفردهم يلهم بعضهم بعضا.

وخلال زيارته لنيوزيلندا التي تستمر يومين، توجه ستولتنبرغ الى مدينة كرايستشيرش حيث قتل شخص يشتبه بأنه من أنصار تفوق البيض 51 من المسلمين في هجومين على مسجدين.

وقال ستولتنبرغ: «ارتكب مسلحون منفردون هذه الهجمات لكنهم متصلون معاً في نفس الوقت، لأنهم يستخدمون بعضهم بعضاً مصدر إلهام ويشيرون إلى بعضهم بعضاً في المنشورات المختلفة».

«ولمارت» ستواصل بيع الأسلحة والذخيرة

رغم عمليتي إطلاق نار داميتين في متاجرها خلال أقل من أسبوع، وبعد انتقادات، أعلنت سلسلة متاجر «ولمارت»، على لسان متحدث، أنها لا تنوي وقف بيع الأسلحة والذخيرة.

وقال المتحدث باسم «ولمارت» راندي هارغروف: «نركز على دعم شركائنا وزبائننا ومجتمع إل باسو بأسره»، في إشارة إلى قيام شاب بقتل 20 شخصا في مدينة إل باسو بتكساس أمام متجر لـ «ولمارت»، بعد 4 أيام فقط من إطلاق موظف غاضب النار، وقتل اثنين من زملائه، وجرح ضابط شرطة في أحد متاجر هذه السلسلة العملاقة بولاية ميسيسيبي. ومؤسس «ولمارت» سام والتون من محبي الأسلحة، لكن سلسلة المتاجر هذه تقول إن زبائنها المستهدفين هم محبو رياضة الرماية والصيد. وأدخلت «ولمارت» تغيرات على سياستها خلال عامي 1993 و2015.

وبعد مجزرة باركلاند بولاية فلوريدا في فبراير 2018، التي قتل فيها 17 شخصا في مدرسة ثانوية، رفعت «ولمارت» السن القانونية لشراء السلاح والذخيرة في متاجرها إلى 21 عاما.