المشهد الثقافي العربي (3-3)
![طالب الرفاعي](/theme_aljarida/images/authorDefault.png)
يصعب جداً اليوم أن يتفق ناقدان أو قارئان على أهم خمسة أسماء تمثل المشهد الروائي، أو القصصي، أو الشعري في أي بلد عربي. ويبدو أكثر صعوبة التوقف أمام النتاج الإبداعي التراكمي لأي أديب شاب. ففي حين يتابع جمهور القراءة عملاً روائياً جيداً لكاتب شاب، ما يلبث أن يُصاب بخيبة أمل في عمله اللاحق، وإذا ما أشارت جائزة عربية كبيرة لكاتب شاب بإعطائه جائزة لرواية أو مجموعة قصصية أو ديوان شعر لافت، وصدّقها جمهور القراءة، وذهب لمطالعة نتاج ذلك الكاتب، وجده يتيما بعمل واحد، لذا ففي مقابل الكاتب الرمز، صار واقعنا العربي يضج بالكاتب العابر، الكاتب الذي أنتج عملاً إبداعياً واحداً وعُرف به، وشكّل من حوله دوائر معجبين ومعجبات، وأحاط نفسه بشللية مقيتة، وبعدها لا شيء. بعدها يأتي تلميع شبكات التواصل الاجتماعي، وتأتي جمل وسائل التواصل الاجتماعي البائسة. جمل تتخذ من الكلمات الطنانة معياراً لجودة العمل. مجاميع تُعلي من شأن بعضها البعض، الكل يمتدح الكل، والكل يرد جميل الكل، والكل يتربص بالكل. وهذا الوضع لا ينطبق على الكاتب وحده، بل تجاوزه للناشر العربي، الذي صار جل همّه إنتاج الجديد من الكتب والمزيد من الإنتاج والإنتاج، بما في ذلك الكتب المترجمة، دون النظر إلى أقل القليل بضرورة أن يتوافر العمل الأدبي على العناصر الفنية، ومكونات الجنس الأدبي المكتوب فيه.نعم، المشهد الثقافي العربي اليوم يعوم فوق بحر من الأسماء، أسماء جديدة ومتجددة يصعب حتى تذكرها، وفوق بحر من دور النشر العربية الجديدة، وفوق بحر من الجوائز العربية، وفوق بحر من سيطرة عالم السوشيال ميديا، وليس من اعتراض أبداً على هذا الوضع، لو أن تلك الأسماء كرّست نفسها إبداعياً بكتاب وثان وثالث، وبسوية فنية محترمة. وليس من اعتراض مطلقاً، لو أن دور النشر العربية تقوم بدورها الإبداعي التثقيفي التنويري، فكلنا مع النشر وزيادة النشر وانتشار الكتاب العربي. وليس من بأس في حضور الجائزة العربية الشفافة والنزيهة والرصينة التي تكافئ الكاتب والكاتب، وتبني رصيداً من الثقة بينها وبين الجمهور. وليس من اعتراض ألبتة على الانتشار عبر وسائل شبكات التواصل الاجتماعي لو كان ذلك الانتشار مقترناً بمصداقية تحترم العمل الإبداعي أولاً، وتحترم ذائقة المتلقي ثانياً.هي اللحظة الإنسانية العابرة، لحظة استهلاكية بامتياز، لذا يجاريها المشهد الإبداعي العربي بمنتج يصلح للاستخدام مرة واحدة ويُرمى بعدها إلى سلة النسيان.