فؤاد مطلب لـ الجريدة•: الشعر الحافي... الأكثر صدقاً
«كتبتُ نصوصاً تأثرت بالمعارف النقدية التي تلقيتها من تخوم الحداثة»
ينشغل الشاعر والناقد العراقي د. فؤاد مطلب بكتابة العالم لا ما يشبه هذا العالم، معتبراً أن الشعر الحافي أصدق أنواع الشعر، وقال في حوار أجرته معه «الجريدة» من القاهرة، إن دراسته للأدب العربي عرفته إلى تجارب أسلافه الشعراء، لافتاً إلى أن الناقد يمارس سلطته النقدية والثقافية على الشاعر والمتلقي على حد سواء... وإلى نص الحوار:
• تخصصك في اللغة وحصولك على درجة الدكتوراه في فلسفتها وآدابها إلى أي مدى أفاد نصك الشعري؟
- الشعر موهبة وملكة يودعها الله سبحانه في الإنسان، غير أن هذه الفطرة وهذه الموهبة تحتاجان إلى صقل وتثقيف وتشذيب وإضافة، وهذا كله لا يتأتى للشاعر من غير أن يتورط في خبرة ما أو معرفة ما، وفي حالتي كانت دراستي وتخصصي في الأدب العربي مفيدة جداً لي ومناسبة لأتعرف على أهم تجارب أسلافي الشعراء، سواء كانوا من القدماء أو المعاصرين.
• تمارس الإبداع والنقد الأدبي في ذات الوقت... هل يجعلك ذلك حريصاً على كل منمنمة لتخرج القصيدة في أبهى صورها؟
- كان هذا هاجساً يتملكني في مراحلي الأولى لتورطي في التجربة الحداثية، وأنت تلاحظ أنَّ كثيراً من نصوصي التي أودعتها في مجموعتي «صورة شخصية لبيدق الملك» كانت تهتم باللغة وانزياحاتها وتخطيطاتها الهندسية، لذلك أقول نعم لقد كتبت رزمة كبيرة من النصوص، وكنت واقعاً حينئذ تحت تأثير المعارف النقدية التي تلقيتها من تخوم الحداثة.• برأيك، ما خطيئة النقاد في زمننا الراهن؟
- لقد مرَّ ردحٌ كبيرٌ من الزمن والناقدُ يمارسُ سلطته النقدية والثقافية على الشاعر، وعلى المتلقي أيضاً، فمنذ النابغة الذبياني وقبته التي كانت تضرب له في سوق عكاظ، ومروراً بقدامة بن جعفر، والآمدي، وابن طباطبا، وانتهاءً بكل أولئك النقاد المسحورين بسلطة المعرفة أقول إنَّ جميع النقاد سواء كانوا نقاداً قدماء أو محدثين تملكتهم تلك السلطة النقدية التي يمنحها وهم الإحاطة بالنصوص ومعرفة كنهها المقدس، ثم إن هناك ذلك النوع من النقاد الذين انحرفوا ببوصلتهم الثقافية صوب الآخر، فهم يرددون ما يقول هذا الآخر من دون مراعاةٍ لخصوصية التجربة الشعرية العربية.• أيهما يشغل بالك أكثر أثناء الكتابة: اللغة أم التقنية؟
- لا اللغة ولا التقنية تشغلني. الآن أفكر أن أقول العالم لا أن أحاول أن أعبّر عما يشبهه من خلال اللغة، أو أن أعيد صياغة العالم من خلال استعارة التقنيات. تعجبني استعارة هيدغر تلك التي جعل فيها اللغة بيت الوجود، ان الشاعر والفنان الحقيقي هو الذي يقول العالم لا الذي يتمثله ولا الذي يقول إن العالم يشبه شيئاً ما، ولنلاحظ كيف مرّ الوعي الشعري والجمالي عند الشعراء بمراحل تطور مهمة ارتبطت بفكرة قول العالم أو قول ما يشبه العالم. أستطيع القول إن الطريق الشعري العربي القديم كان يهتم بفكرة توصيل المعنى من خلال التشبيه، فالليل كموج البحر، والملك كالشمس، والآخرون كالكواكب وهكذا... إنَّ ما يدلل على أن الوعي الجمالي آنذاك كان يهتم بقول فكرة ما يشبه العالم لا العالم نفسه إلى أن جاء أبوتمام الذي أحدث صدمة ثقافية وجمالية، سواء في تقبل النوع الشعري أو كتابته. لقد حاول أن يقترب من فكرة قول العالم، ويمكن أن تفلح فكرة الإكثار من الاستعارة والابتعاد عن التشبيه في أن تكون مؤشراً من نوع ما على اقتراب الشاعر آنذاك من قول العالم لا قول ما يشبهه, وستظل هذه الثنائية متكررة إلى يوم الناس، هذا بين أنصار تشبيه العالم وبين سدنة العالم وقائليه.• «شاعر في قفص» إحدى قصائدك اللافتة... هل تعكس صورة فؤاد مطلب نفسه أم جيلاً كاملاً من شعراء اليوم في عالمنا العربي؟!
- الشعر نوع من النبوءة، أؤمن بهذه المقولة وقد جربتها وخبرتها، قصيدة «شاعر في قفص» تتحدث عن محنة المثقف والسلطة، وعن نفاق المثقف ومحاباته للسلطة. حاولت في هذه القصيدة أن أعبّر عن زمنٍ ماتت فيه الأغنيات، واستسلمت أمام جوقة الأدعياء. لقد ربط لوسيان كولدمان في نظريته البنيوية التكوينية بين الفن كبنية فوقية وبين الاقتصاد والسياسة كبنية تحتية تكون مسؤولة عن إنتاج شكلها الجمالي، ومن هذا المنطلق أقول إن قصيدة «شاعر في قفص» تدين التجربة الدكتاتورية، سواء كانت هذه التجربة في العراق أو في كوكب المريخ المجاور.• كثرة الجوائز العربية الكبرى المخصصة للرواية، هل تعني تفوق السرد والتهامه نصيب الأسد من ذائقة المتلقي على حساب الشعر؟
- السرد مهم وهو نافذة جمالية مهمة يستطيع الأديب من خلالها ارتكاب بوحه ونوحه وأنينه المقدس، غير أن ذلك لا يعني أن السرد يحتل مرتبة الصدارة الجمالية، وإن كثُر كتّابه، وإن تعددت غواياته. هي جنس كتابي وإبداعي مهم، وربما أستطيع أن أذهب مع الرأي القائل إن الرواية هي ملحمة العصر الحديث، غير أن للشعر بهاءه وللشاعر حضوره المتجذر في هذه الأرض واللصيق بنفوس أبناء المعمورة.• حدثنا عن مشروعك الشعري الذي تعكف عليه حاليا؟
- مشروعي الذي أعمل عليه وسيرى النور قريباً يقوم على فكرتين أساسيتين الأولى هي قول العالم بلا زخارف وبلا منمقات والمراهنة على أن الشعر الحافي هو أصدق أنواع الشعر، والفكرة الثانية تتمحور حول الاحتفاء بالأرض.شاعرٌ في قفصْ
شاعرٌ في قفصْوالتردُّد يأكلُ منقارَهُكيف يمكن أنْ يستبدَّ إذاكلما خطبتْ ودَّه خطراتُ الجنون أبى أو حرصْ؟؟شاعرٌ في قفصْقفص في عراءْوالفضاء يُتاخِم أحزانهُلو تمكَّن منه احتمالُ الوضاعةكان خالف بؤس النواميس أقنع أنسالَه باقترافِ الوداعةقفصٌ في صدور الجميعفلماذا تُدمدم بعضُ الهوامشِحينما أجتهدْوأعمِّم ذاك المُسالمَ ذاك الوديعْ؟؟
الناقدُ يمارس سلطته النقدية والثقافية على الشاعر والمتلقي
«شاعر في قفص» تتحدث عن محنة المثقف والسلطة
«شاعر في قفص» تتحدث عن محنة المثقف والسلطة